تبدو المرحلة الآنية قاتمة للغاية فهذه فترة ما يمكن اصطلاحه بـ"شرعنة الوحوش"، بعد أن انسحبت الولايات المتحدة من أفغانستان ومنحت حركة طالبان شرعية حكم كابول.
توشك جماعة الحوثي على أن تحصل على حكم اليمن أو على الأقل الجزء الشمالي من البلاد، هذه المغريات شجعت حزب الله اللبناني على أن يخطو خطوة في اتجاه "الشرعنة" وتكرار النسخة الحوثية فها هو يستنسخ ما حدث في 2015 عندما استعرض الحوثي بمناورة عسكرية على حدود السعودية وها هو حزب الله يستعرض عضلاته بمناورة عسكرية على حدود إسرائيل.
مناورة حزب الله في زاوية منها هي استعراض قوة ليس أمام إسرائيل أو غيرها من القوى الدولية فالرسالة هي للداخل اللبناني ولكل القوى الممتعضة من الحال السياسي والاقتصادي.
بلد يعيش في الفراغ، فلا رئيس، وحكومة مقيدة اليدين في فوضى سياسية ممتدة من اغتيال رفيق الحريري في 2005، القوى اللبنانية تعيش في دوامة لا منتهية من الجدليات والتعريفات، وهو ما يعطي يوماً بعد آخر تمكيناً لحزب الله الذي بالفعل بات مسيطراً على مفاصل الدولة ومتحكماً فيها وقدم اللبنانيون كعادتهم تعريفاً بليغاً لحالهم مع حزب الله أنه "دولة داخل دولة".
قضية سلاح حزب الله وإن كانت قد بدأت مبكراً في جدليات لبنان لكنها انتقلت إلى اليمن، فالحوثيون امتلكوا سلاحاً منحهم إياه خصومهم في لعبة الفوضى والمناكفة التي تبادلت فيها القوى اليمنية الشمالية تحالفاتها، وقدمت لجماعة كانت محاصرة في كهوف جبال صعدة أسلحة الدولة وعتادها، اللعبة اليمنية الشمالية آلت إلى أن يخرج الحوثيون من كهوفهم زاحفين صوب عدن للاستيلاء عليها ما استدعى تدخلاً عربياً لتحييد باب المندب من أن تسيطر عليه إيران، سلاح الحوثي هو سلاح حزب الله مصدره الدولة ومن يمتلكه لا يعترفون بالدولة في مشهدية متماثلة. قدم الحزب الديمقراطي لكل الجماعات الراديكالية منذ عهد الرئيس باراك أوباما عرضاً مغرياً عندما اعتبرها جماعات يمكن (دمقرطتها) واحتواؤها، فالنظر إلى جماعات الإسلام السياسي على أنها معتدلة ويمكن احتواؤها ومن خلالها يمكن تمرير الديمقراطية إلى العالم العربي أتاح أن تفرض هذه الجماعات نفسها تحت أعين المجتمع الدولي.
لم تتغير سياسات بايدن تجاه المنطقة العربية ولذلك تمكنت الجماعات من زيادة نفوذها، ومنحها الاعتراف بحركة طالبان دفعة إلى تكرار النسخة الأفغانية.
حزب الله كان قد أعطى موافقة بعدم استخدام القوة العسكرية لتمرير صفقة الحدود البحرية مع إسرائيل في 2022 وهذه كانت كفيلة بمعالجة جذرية لمسألة السلاح ومع ذلك واصل بسياساته معمقاً الفراغ الرئاسي وعاد ليستعرض قوته على الحدود الإسرائيلية في تمهيد لما ذهبت إليه جماعة الحوثي في اليمن، فلا دواعي تستدعي هذه المناورة غير أنها تؤكد سطوة حزب الله على مؤسسات الدولة حتى وهي بالكاد تجد في جلسة برلمانية ما يعبر عن الموقف الرسمي ليتفاجأ الجميع بغياب ممثلي الحزب مما أفشل الجلسة البرلمانية التي كان يمكن أن تمسح وجه ما تبقى من الدولة.
هذه استراتيجية ومنهجية واحدة كما قادت "طالبان" للحكم وتوشك أن تصل بالحوثي لحكم شمال اليمن يعتمدها حزب الله اللبناني في محاولة ابتلاع الدولة، شرعنة الجماعات الجهادية وما يحدث في الشرق الأوسط ستتلوه نسخ متكررة في الساحل الأفريقي فهناك "داعش" و"القاعدة" وغيرهما من التنظيمات توسع من نفوذها، كل هذا حدث ويحدث والعالم العربي قبل المجتمع الدولي يتعايش مع ما يفترض أنها فرض سياسة الأمر الواقع، التعامي عن هذه الحقائق سيذهب بالشعوب العربية إلى الهاوية فإذا لم تحسم الدول علاقتها مع التراث الديني فالثمن سيدفعه الكل، وما أمر اليمن ولبنان ببعيد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة