في نوفمبر من عام 2014، شُكّلت في الجمهورية اليمنية حكومة تحت مسمى الكفاءات، برئاسة خالد بحاح، راعت بعض معايير التوافق السياسي الظاهري
في نوفمبر من عام 2014، شُكّلت في الجمهورية اليمنية حكومة تحت مسمى الكفاءات، برئاسة خالد بحاح، راعت بعض معايير التوافق السياسي الظاهري، والكفاءة المقبولة حينها، والتي شكّلت وإدارة أعمالها بناء على اتفاق "الذل وسقوط الدولة" الذي أداره وأبرمه المبعوث الأممي الأسبق جمال بن عمر (السلم والشراكة).
وهي في الحقيقة حكومة كتبت شهادة وفاتها قبل أن تمارس مهامها، بسبب الظرف الذي شُكّلت خلاله، وفي المحصلة كانت دون مستوى وآمال اليمنيين كوزراء وتوجهات، وكان كل ذلك تحت تهديد ونيران المليشيات الحوثية التي اغتصبت جميع مؤسسات الدولة السيادية عبر إدارة المليشيا للجان الثورية التابعة لها بقوة السلاح وإهانة المؤسسات الأمنية والعسكرية والمدنية، من خلال شل قدرة الوزراء الجدد على إدارة مهام الوزارات والمؤسسات التابعة لها.
عقب ذلك بشهرين فقط، وتحديداً في يناير من عام 2015، قامت مليشيا الحوثي بحصار الرئيس عبدربه منصور هادي في منزله، بعد أن حاولت الضغط عليه لإصدار قرارات تفقده الشرعية، واستهدافه وقتل حراسته الشخصية ومرافقيه، ومن ثم فرض الإقامة الجبرية على رئيس الحكومة والوزراء، وهم في حال لا حول لهم ولا قوة سوى التقاط الصور ونشرها في وسائل التواصل الاجتماعي في احتفاء مدني بالصمود.
تدرك جماعة الحوثي أنها في مراحل سقوطها الأخيرة، وأن حضورها بات يتلاشى تماماً، ولم يعد لحضورهم أي تأثير سوى لما يملكونه من قمع وبطش وقتل لكل من تسول له نفسه بالتمرد عليهم
وخلال ذلك أدارت مليشيا الحوثي بالتنسيق مع حلفاء الأمس من المؤتمر الشعبي العام المشهد الانقلابي، وأجرت مناورات على الحدود المتاخمة للمملكة العربية السعودية، كاستهداف مباشر للمملكة والأمن القومي العربي، وعملوا على تسيير عشرات الرحلات بين صنعاء وطهران، لنقل الخبراء الإيرانيين وكثير مما تيسر من العتاد العسكري واللوجستي، بالتزامن مع تحركهم لإسقاط عدد من المحافظات في الشمال والجنوب تحت سيطرتهم.
هذا التمهيد المطول بعض الشيء، هو استدعاء لواقع السلام المذل الذي تدعو له مليشيا الحوثي اليوم، حيث تتسابق بعض قياداتها في بعض القنوات الفضائية وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، بالتصريحات المستهلكة لسعيهم تشكيل حكومة مشتركة مع القوى اليمنية -يُقصى فيها الرئيس هادي- يشتركون مع من يتهمونهم بالخيانة باستدعاء دول التحالف التي يصفونها بـ(العدوان) –بحسب قولهم- والاحتكام بعد ذلك للانتخابات، وهذا تصريح في شبكة (بي بي سي) للقيادي الحوثي محمد البخيتي.
هذه التصريحات تفضي إلى أمرين غاية في الأهمية والخطورة الأول: تدرك جماعة الحوثي أنها في مراحل سقوطها الأخير، وأن حضورها بات يتلاشى تماماً، ولم يعد لحضورهم أي تأثير سوى لما يملكوه من قمع وبطش وقتل لكل من تسول له نفسه بالتمرد عليهم. والأمر الثاني: وهو الأخطر هناك طرف دولي حريص على الإبقاء عليهم قوة تعبث بأمن المنطقة. رغم فشلهم الكامل في القدرة على إدارة مناطق سيطرتهم، وموقفهم الواضح من رفض كل مقترحات العودة للعملية السياسية. وما استهداف العمق السعودي والناقلات والسفن في المياه الدولية لأكبر دليل أن السلام يحتاج إلى شجاعة لا يمتلكها الحوثيون.
إن أي تهاون في التراجع عن المرجعيات التي تم التوصل لها عبر الاتفاقات الوطنية والقرارات الدولية ومشاورات الكويت بإنهاء حكم المليشيا على مؤسسات الدولة، وخروجهم من العاصمة والانسحاب من المدن وتسليم السلاح الثقيل والمتوسط، عبر آليات صرح بها المبعوث الأممي السابق إسماعيل ولد الشيخ بأنها جاهزة ومجدولة في برنامج زمني سياسي وعسكري أمني. لهو عبث ستكون عواقبه وخيمة، وهو ضرب حقيق من الجنون واستمرار للحرب بفوضى مستجده لا أمل فيها لمستقبل آمن لليمن والمنطقة.
الشاهد الأخير: إن هذه الجماعة غير قابلة للتعامل مع فكرة السلام كمنهج ومبدأ، إلا سعياً لالتقاط الأنفاس، والتسويق للمجتمع الدولي بأنها مستعدة لسلام الهدنة الذي سرعان ما تنقض على كل اتفاقاته بالعمل على مبدأ طهران التفاوضي والمراوغ للاستمرار في الفوضى، وتحقيق غايات ضرب الأمن القومي للمنطقة بأهداف طويلة الأمد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة