"نعم نحن نستطيع".. مبادرة لخريجات غزة تحارب البطالة
جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني يؤكد ارتفاع معدل البطالة بشكل كبير بين الشباب من 20 حتى 29 سنة في السنوات الأخيرة
تواجه الخريجات الجامعيات في قطاع غزة، واحدة من أعقد مشكلات الحياة، بانتشار البطالة في سوق العمل، وإغلاقه بالكامل أمام الأجيال الوافدة من خريجين وخريجات.
وقررت بعض الخريجات عدم الاستسلام بدون صراخ ولا شكاوى، فطرقن الأبواب بالتأهيل والتدريب واكتساب المهارات.
ربا الجبور (28 سنة) خريجة جامعية منذ 2012 تخصص أشعة، وتقدمت لعدة وظائف في القطاعين العام والخاص، ولكنها لم تنجح في الحصول على وظيفة، وبعد 8 سنوات من المحاولة، فكرت مع مجموعة من خريجات الجامعات في طرح المبادرة الذاتية "نعم نحن نستطيع"، التي تقوم فكرتها على عدم الاستسلام لليأس ومواصلة المحاولة لدخول سوق العمل ولكن بعد التأهيل والتدريب، وتشكيل حالة ضاغطة على الجهات المعنية.
فتقول ربا لـ"العين الإخبارية": "بدأت فكرتنا من واقع البطالة الذي أصبح عاملاً قوياً وطارداً للأمل، ودافعاً مخيفاً لهجرة الشباب من قطاع غزة، فركزت بفكرتي على الخريجات من الجامعات المحلية، خاصة الخريجات في محافظة خان يونس، جنوب قطاع غزة، وأطلقت مبادرتي على أساس أن أجمع إليها 200 خريجة من سن 24 حتى سن 32 لتشكيل فعل ممارس على أرض الواقع، وفتح مجال للخريجات بالتأهيل والتدريب، وطرد الملل وعدم التسليم بشبح البطالة، ومع إطلاق المبادرة عبر هاشتاق على مواقع التواصل الاجتماعي، تقدم نحو 320 خريجة جامعية أي بزيادة 120 خريجة عن طلبنا".
وتابعت: "عقدنا اجتماعا لدراسة احتياجاتنا، وبدعم من مجلس الشباب في المحافظة، قمنا بوضع خطة استراتيجية متكاملة لتأهيل الخريجات وتدريبهن وفق ما يحتاجه سوق العمل وبغض النظر عن التخصص الأكاديمي، لأن الواقع معقد لدرجة لا يمكن تحقيق حالة الانسجام بين رغبة الخريجة وتخصصها، بل سوق العمل من يفرض احتياجاته على الخريجين".
وتضيف الجبور: "أطلقنا بعد المبادرة فكرة الملتقى التدريبي للخريجات، واستطعنا بإمكانيات ذاتية والعمل من خلال البيوت تدريب أكثر من 200 خريجة، وإعطائهن إرشادات ونصائح ومعلومات عن كيفية مواجهة المقابلات من أجل التوظيف، واكتسبن ثقة بالذات، وحصلن على قدر عالٍ من التأهيل المجتمعي، ومنحن فرصا للتواصل مع القطاع العام والقطاع الخاص، قدر ما أتيحت الإمكانيات".
وأضافت: "قمنا بمتابعة الكثير من الحالات الفردية، وتقديم حلول ولو مؤقتة من خلال فكرة المبادرة، لمواصلة الخريجات طريقهن نحو سوق العمل، رغم أننا لم نخترق جدار البطالة بعد لأن المبادرة في بداياتها، وقمنا قبل أشهر بتنظيم وقفة احتجاجية حضرها أكثر من 500 شاب وشابة أمام وزارة العمل، وقدمنا عريضة مطالب للمعنيين، ووعدوا بمتابعة مطالبنا".
وقالت: "لم يكن آخر ما عملناه من أجل تحقيق أهداف المبادرة، بل نظمنا العديد من اللقاءات مع الشخصيات الوطنية ورجال الأعمال، وأصحاب القرار، لكي نوصل صوت الخريجات، ونضع بين أيديهم مطالبهن وحقوقهن في فتح سوق العمل أمامهن".
وتذكر الإحصائيات الرسمية في السنوات الأخيرة، أن الجامعات في قطاع غزة تخرج سنوياً من 15 ألفا إلى 18 ألف خريج وخريجة من كافة التخصصات، بينما سوق العمل لا يستوعب أكثر من 20% من عدد الخريجين، وهذا يعني أن 80% سيبقون سنوياً بدون عمل.
ويرجع المراقبون والمختصون الاقتصاديون في قطاع غزة أسباب البطالة وانتشارها بنسبة عالية في فئة الشباب إلى الحصار المفروض منذ عام 2007، والانقسام الداخلي، وعدم قدرة القطاع الخاص على استيعاب الخريجين في سوق العمل، والتقليصات الوظيفية في وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين "الأنروا".
منسق المبادرة محمد الفرا وهو خريج جامعي لا يعمل منذ عام 2016، يقول لـ"العين الإخبارية":"(نعم نحن نستطيع) مبادرة انطلقت من محافظة خان يونس وتعمل على شبكة التواصل الاجتماعي ومن البيوت، حيث لا مقر ولا عنوان لمن أطلقوها، إلا أنها وجدت نفسها أمام أزمة كبرى يعيشها الخريجون في قطاع غزة".
وتابع: "هذه الأزمة باتت تشكل واحدةً من أكبر الأزمات التي تهدد بأي وقت السلم المجتمعي، ومع سماعنا للكثير من قصص الهجرة وموت الشباب في عرض البحر، أو تشتتهم في المنافي، وجدنا أن سكوتنا توطئة لحالة اليأس والاستسلام، لتحويل التفكير الفردي إلى تفكير جمعي لحل الأزمة".
وذكر: "أطلقنا مبادرتنا لتجميع الخريجات وتوعيتهن لما يواجهنه من تحديات وتأهليهن وتدريبهن على المقابلات للتوظيف، وتشكيل حالة ضاغطة على المستويات المختصة لتغيير الوقائع السلبية، وكسب الشباب خاصة الخريجين وتأمين عمل يناسبهم، ومعالجة الكثير من أسباب انتشار البطالة".
وأضاف: "هذه المبادرة قابلة للتطوير لدخول مرحلة التنمية الفكرية وخلق حالات مبدعة، لإقناع أرباب العمل بها، ومن هنا نطالب وزارة العمل الفلسطينية بضرورة وضع خطة واضحة لتشغيل الخريجات والخريجين، بأرقام حقيقية، وتحويل برامج العمل المؤقت إلى عمل دائم، وكسب الطاقات الشابة، بفتح آفاق التدريب المهني لهم، ولم تتوقف المبادرة المطروحة من قبل خريجات خان يونس عن مطالبة سوق العمل المحلي، بل تطالب الدول العربية الشقيقة بضرورة فتح المجال للخريجات والخريجين الفلسطينيين، في أسواق العمل عندها، لتخفيف أزمة البطالة، وضمان استقرار السلم المجتمعي".
وأكد جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني أن معدل البطالة في فلسطين ارتفع بشكل كبير بين الأفراد من 20 حتى 29 سنة في السنوات الثلاث الأخيرة، وأن نسبة البطالة في الخريجين من المعاهد المتوسطة والبكالوريوس وصلت إلى 56% في قطاع غزة والضفة الغربية، نصيب الأسد منها لخريجي الجامعات في قطاع غزة حيث وصلت إلى 73%.
وصحيح أن مبادرة "نعم نحن نستطيع" ليست الأولى للخريجين في قطاع غزة، ولكنها المحاولة الأولى من قبل الخريجات الجامعيات في محافظة خان يونس، لتطويل عمر الفعل على حساب كسر الملل وعدم الاستسلام للواقع المأزوم، والإبقاء على حالة التأهب بالفعل وليس بالترجي والمناشدة.
aXA6IDMuMTQ1LjE2NC40NyA= جزيرة ام اند امز