قد يكون من المستغرب أن يبحث أحدنا في موضوع اليمن وتحديات مستقبله، وهو البلد الشقيق الذي لا يزال يعاني حرباً أهلية منذ 2011.
لم يفصل هذه الحرب عما قبلها من حروب إلا سنوات قليلة، حيث شهد اليمن ست حروب في الشمال مع الحوثيين، وحرباً في الجنوب أسفرت عن سيطرة المكوّن الشمالي على الجنوب اليمني، مع ما تبع ذلك من اعتراض جنوبي وصل إلى حد المطالبة بالانفصال والاستقلال.
فعلاً، لا يمكننا أن نقرأ مستقبل اليمن وتحدياته في ظل ما نشهده من تعثر لعملية سلام ينتظرها الشعب اليمني ومحيطه العربي المتضامن مع عذاباته، على أحرّ من الجمر.
فكيف نستقرئ مستقبلاً لا يبدو قائماً أصلاً مع استعلاء مليشيا "الحوثي" واستعصاء الحلول معها أمام منطقها وإيمانها بالسيطرة والتبعية والإقصاء والتخوين، بل وقرارها الواضح والمعلن باستكمال العدوان وقتل المدنيين وارتكاب المجازر ومهاجمة المدن وحصارها وإرسال طائرات الموت المسيّرة والصواريخ البالستية إلى كل مكان بالإمكان.
كما لا يمكننا أن نحلل مستقبل اليمن دون النظر إلى ماضيه الحافل بالنزاع منذ عقود، بسبب الظروف التي فرضتها على الشعب اليمني حكوماته المتلاحقة وقياداته، تبعا لولاءاتها القبلية والحزبية والخارجية، وهنا نستطيع تعميم فكرة ألا أحد عمل لأجل اليمن وصالح شعبه، بقدر ما خدم أجندات خارجية مدمرة منذ البدايات المبكرة، وإن تعددت التسميات من البريطانية وصولاً إلى الإيرانية.
عن مآلات النزاع في اليمن يمكننا الحديث طويلاً، لكن ما دفعني إلى كتابة هذا المقال تسجيل مصور أظهر شبابا يمنيين يشيّعون وثائق وشهادات تفوُّقهم الجامعية في إحدى مقابر العاصمة، صنعاء، تعبيرا عن احتجاجهم على إقصاء مليشيا الحوثي لهم وحرمانهم من مقاعدهم الدراسية واستبدال حوثيين بهم رغم أن البديل معدلات تخرُّجه أضعف.
فكيف يمكن أن نقنع الشباب، وهم العنصر الأكثر إنتاجية وفعالية في المجتمعات، أن لهم مستقبلاً في بلدٍ يحرمهم من أدنى طموح في العمل والاستقرار وخدمة الوطن بالعلم الذي تعلموه وسهروا الليالي الطويلة في تحصيله؟ وكيف لنا أن نبني مستقبلاً لليمن وهو لا يزال يعاني من الفساد متعدد الوجوه وإقصاء الكفاءات والنخبة، لا عن مراكز القرار السياسي فحسب، بل حتى عن أبسط مناصب العمل؟
فهل لليمن مستقبل في ظل وجود مثل هذه المليشيا، التي تنتمي فكرياً إلى العصور الوسطى وتكابر وتجاهر بحمل السلاح ضد كل مشروع سلام أو حل؟ بل وتمعن في تدمير ما تبقى من مقومات المؤسسات والدولة في بلد هو في أمسّ الحاجة إلى إعادة بناء الإنسان وتسليحه بالفكر الحُر المتجدد والعقول النيرة التي تهتم بصناعة مستقبل للأجيال.. مستقبل قائم على قيم التعددية والتسامح، والذي يحتاج إليه بلد دمرته الحروب وفككته الفتن والتبعيات والولاءات.
أول تحديات مستقبل دولة هو بناء شباب طموح وتزويده بالخبرات والمهارات، لا حرمانه من أبسط حقوقه في الحياة والعمل والتطلع إلى المستقبل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة