في نيبال، ظنّ رئيس الوزراء أن حظر وسائل التواصل لبضعة أسابيع سيُخفّف الفوضى الرقمية.
لكنه لم يدرك أن القرار كان أشبه بمحاولة حظر التنفّس. لم ينتظر الشباب القنوات الرسمية ليعبّروا؛ بل أطلقوا غضبهم عبر ذات المنصات المحظورة، ثم خرجوا إلى الشوارع. حين تراجع القرار بعد أيام، أدرك العالم أن زمنًا جديدًا بدأ: زمن جيلٍ لا يعيش في الإنترنت، بل منه.
جيل زد - مواليد ما بعد عام 1997- هو أول جيلٍ تربّى داخل الشبكة لا حولها. شاشة الهاتف بالنسبة له ليست أداة، بل امتدادٌ للحواس. يتعلّم من "يوتيوب"، يناقش في "ديسكورد"، ويكوّن قناعاته من "تيك توك" أكثر مما يفعل من الصحف أو الجامعات. يعيش في زمنٍ تُقاس فيه المصداقية بسرعة الاستجابة، لا بعدد الخطب. لذلك لا يمكن محاورته بلغة الانتظار ولا إقناعه بعبارات "سنعمل على ذلك قريبًا". فقد تربّى على النتيجة الفورية، لا على الوعود المرحلية.
ليس هذا الجيل متمرّدًا كما يُظن، بل شديد الحساسية تجاه الزيف. يصدّق ما يراه، لا ما يُقال له. وإذا لم يَجِد من يفهمه، يصنع لنفسه طريقًا يراه الآخرون. في مدغشقر طالبوا بالماء لا بالشعار، وفي أوروبا خرجوا من أجل المناخ لا من أجل الانتخابات، وفي الخليج أسّسوا شركات رقمية قبل أن تُقرّ القوانين التي تنظمها. هو جيل لا ينتظر المستقبل، بل يسابقه.
وقد أدرك كثير من الساسة والمفكرين هذا التحوّل. دونالد ترامب، على سبيل المثال، دخل "تيك توك" في أوج المنافسة السياسية، لا ليقدّم برنامجه، بل ليقدّم نفسه كمحتوى. وفي الجهة المقابلة، استغلّت الجماعات المتطرفة المساحات ذاتها لتجنيد عقولٍ صغيرة عبر الألعاب والدردشات، فالعالم اليوم يتنافس على عقل جيلٍ واحد لأنه ببساطة الجيل الوحيد القادر على صناعة موجةٍ عالمية في دقيقة واحدة.
لكن هذا الجيل لا يطلب المستحيل. يتطلّع فقط إلى أن يُعامَل كما يعامل هو تطبيقاته: بوضوح، بسرعة، وباحترامٍ للوقت. يرغب في رؤية أثر القرارات في حياته اليومية، لا في نشراتٍ سنوية، وأن يجد في التعليم أبوابًا تُفتح لا دفاتر تُملأ. يسعى إلى عملٍ يُنميه لا وظيفةٍ تُعيد إنتاج الملل، ويُفضّل أن يُستمع إليه لا أن يُدار عنه الحديث.
ولأنّ الخليج أدرك باكرًا أن الطاقة البشرية أهم من الطاقة النفطية، بدأ يفتح لهذا الجيل مساحاتٍ أوسع. نراه في السعودية في مجالات الألعاب الإلكترونية والإبداع الثقافي، وفي الإمارات وقطر في مشاريع الذكاء الاصطناعي والابتكار، وفي الكويت والبحرين في مجالات المحتوى الرقمي وريادة الأعمال. لم يعد الحديث عن "احتوائهم"، بل عن الاستفادة من إيقاعهم. فالكبار يملكون التجربة، والصغار يملكون السرعة، والمستقبل لا يستغني عن أيٍّ منهما.
جيل زد ليس تحدّيًا لأحد، بل فرصة لفهم العالم من جديد. إنهم لا يطلبون وصاية، ولا يسعون لقطيعة، بل يبحثون عن شراكة قائمة على الفهم لا التوجيه. من يقترب منهم بعين الباحث، لا بعقل المعلم، سيدرك أن المسافة بين الأجيال ليست في العمر، بل في سرعة الإشارة. فمن يفهم إيقاعهم اليوم، يفهم مستقبل الإنسان غدًا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة