في ذكرى ميلاد زها حديد ملكة المنحنى والتصميم الحر المتمرد على الجاذبية
المعمارية العراقية الأشهر زها حديد ملكة المنحنى، التي نالت عن تصميماتها أكبر الجوائز العالمية، وصار لها في كل بلد معلم يحمل بصمتها.
"غير قابلة للتنفيذ" على مدار 20 عاما كانت زها حديد تسمع هذا التعليق في كل مرة تأتي بتصميم جديد، تُظهر فيه قدرتها على تحرير المباني من سطوة الجاذبية لتبدو حرة وكأنها تطفو، مما جعلها نقطة التحول في مجال الهندسة المعمارية، الذي احتكره الرجال لعقود، وصارت نجمة متفردة وواحدة من أفضل المعمارين على الإطلاق.
نالت زها حديد عن مشوارها جوائز عالمية وتقدير دولي، رغم أن البداية كانت قاسية، احتاجت منها ان تتحلى بالصبر والكثير من التجاهل، فتارة هي امرأة يستنكر كثيرون اقتحامها لمجال اعتاد الرجال السيطرة عليها، ومرة أخرى هي عراقية عربية ولم تخفِ هويتها يوما، فكيف لها ان تحقق نجاحا في بلاد قد تنفر وجودها.
نستعرض مسيرتها التي امتدت لأربعين عاما، لنعرف كيف صنعت زها حديد مجدها؟
عن زها حديد في ذكرى ميلادها
ولدت زهاء محمد حسين حديد اللهيبي في 31 أكتوبر 1950 في بغداد عاصمة العراق، لديها شقيقين هيثم حديد وفولاذ حديد، والدتها الفنانة وجيهة الصابونجي أما والدها محمد حديد فيمكن أن يكون صاحب الفضل الأكبر في مسيرتها، فكان رجلا يمتلك عقلية منفتحة وفكر ليبرالي، ولد لعائلة ثرية ولكنه كان صاحب فكر اقتصادي وسياسي اشتراكي، أسس الحزب الوطني الديمقراطي، وعين وزيرا للتموين عام 1946، كما شغل منصب وزير المالية من 1958 إلى 1960.
في العراق يبدو للعمارة دورا واضحا في سرد تاريخ هذا البلد، وفي طفولتها اعتادت زها أن تذهب مع والدها إلى المعارض الفنية وزيارة المعالم التاريخية، وبعمر السادسة انبهرت بمعرض للمعماري فرانك لويد رايت المعماري الأمريكي، وعندما بلغت الحادية عشرة علمت أنها تريد أن تكون مهندسة معمارية، بعد أن جذبتها التصميمات وصارت مهووسة بهذا العالم.
زها تدرس في لندن
نشأتها في منزل محب للفنون بجميع أشكالها، حيث اعتادت أن ترى والدتها الفنانة التشكيلية تمسك الألولن والفرش، ورأت كيف اعتني والدها باختيار أثاث المنزل والديكور، وكان التعليم على رأس الأولويات والسفر واستكشاف أماكن جديدة هو نشاط يجمعهم، ولذلك كانت تبدو متعطشة للمعرفة والاطلاع.
في المرحلة الجامعية، انتقلت زها إلى لبنان لتدرس الرياضيات في الجامعة الأمريكية ببيروت وحصلت على درجة البكالوريوس، ثم انتقلت إلى لندن لتدرس بكلية الهندسة المعمارية Architectural Association (AA) عام 1972، وحصلت على الدبلومة عام 1977.
الإصرار على طلب العلم رغم الإحباط
كان يبدو أنها تحمل فكرا مختلفا وتصورا يميزها في الأوساط المعمارية، فكانت تشارك في معارض عالمية داخل بريطانيا وخارجها، واستطاعت بداية من عام 1987 أن تُدرس الهندسة المعمارية في أكثر من جامعة مرموقة حول العالم من هارفارد وييل وكولومبيا وجامعة الفنون التطبيقية في فيينا وشيكاغو وهامبورج ونيويورك، ولكنها رغم ذلك كانت تشعر بقليل من الإحباط، كونها لم تنفذ بعد أي من تصميماتها.
أبنية زها حديد
افتتحت زها شركتها الخاصة عام 1979، وبدأت تشارك في معارض بلندن ونيويورك وطوكيو وألمانيا، وقتها كان يشعر الفنانون المعاصرون تجاهها بالانزعاج، فهي ليست فقط امرأة وعربية، ولكنها أيضا تقدم تصميمات غير تقليدية، فقد كانت أعمالها متأثرة بالمدرسة التفككية فيبدو التصميم حر انسيابي كأنه يتحدى الجاذبية.
الأمر الذي جعلها تواجه كثير من الانتقادات التي ترى تصميماتها أعمالا لا يمكن أن يتم تنفيذها في الواقع، فلا وجود للخطوط الأفقية والعمودية، وكأن المبنى يطفو عن الأرض في انحناءات منطلقة وعفوية، ولكنها كانت تتعمد أن تكون تصميماتها عملية تتسم بالرقي وتمنح الأشخاص مساحات للحركة والتواصل بحرية وديناميكية، وتتناسب مع التطور التكنولوجي، وتبدو كالسهل الممتنع.
أسلوب زها المعماري
جمعت في أعمالها بين العصرية وبدا تأثرها بالعمارة الإسلامية والآثار السومرية التي اعتادت زيارتها في العراق، كما أن أعمال أوسكار نيمايير كانت مصدر إلهام لها، كما عملت فور تخرجها بمكتب المعماري الهولندي ريم كولهاس وإليا زنجليس، اللذين كانا يتبنيان نفس الاتجاه المعماري الذي آمنت به زها.
أول تصميم معماري لزها حديد
رغم الانتقادات التي واجهتها، ساعدها زملاؤها الذين وثقوا بها،وفأخبرها المعماري بيتر رايس ألا تتعجل "عندما يخرج أول مبنى تقومين بتصميمه للنور، سيتحدث الجميع عنك"، لم تتوقع زها أن يحدث ذلك بالفعل، ولكن مع أول تنفيذ لتصميماتها لم يكف العالم عن الحديث عنها، وعن الثورة التي أحدثتها في الهندسة المعمارية.
تصميمات عربية في بلاد أجنبية
وفي الفترة من 1991 إلى 1993، نفذت زها حديد محطة إطفاء حريق فيترا في ألمانيا كأول أعمالها، الذي بدا عصريا يتيح الحركة بانسيابية وحرية ويتناسب مع طبيعة عمل المحطة، كما بدا متمردا ويوحي أنه مطافئ جاهزة للانفجار في أي لحظة، بالطبع تم انتقاد التصميم ولكنه أيضا حقق شهرة عالمية واسعة، وأبرز إحساس زها بالمكان والحركة وتعاملها مع الفراغ لتخلق حيزا مختلفا، ويُظهر أيضا قدرتها على تحويل تصميماتها لواقع ملموس.
زها حديد.. معمارية عراقية غزت العالم بتصميماتها الهندسية
مشاريع زها في بلاد العرب الذين يحبون الأجانب
نفذت زها 950 مشروعا في 44 دولة حول العالم، وتركت بصماتها أيضا في العالم العربي، حيث كانت تتمنى أن تنتشر تصميماتها بصورة أكبر، فكان لديها حلم بتنفيذ مشروعات في العراق، وقدمت تصميم مجانيا لمبنى مجلس النواب العراقي، ولكن لم يتم الالتفات إليه، كما اهتمت أن تتعاون على تنفيذ تصميمات في دبي والمغرب وأبو ظبي ولبنان والسعودية.
"العرب يحبون الأجانب" ليس جميعهم كما أكدت، ولكن شعرت زها حديد بالحزن على عدم استكمال تصميماتها في القاهرة وعمان ودبي، رغم أنها تركت مشروعات مميزة في كل بقاع الأرض، ولكنها كانت تتمنى ان تترك بصمتها في الوطن العربي الذي انتمت إليه بالأساس. ومن بين أعمالها المميزة، نذكر:
مركز روزنتال للفن المعاصر- أوهايو بأمريكا
فازت زها في مسابقة لتصميم مبنى مركز الفن المعاصر في سينسيناتي بولاية أوهايو عام 1997، واعتمدت فيه على النهج التفكيكي في العمارة، مما جعله يلقى الانتقاد باعتباره عادي ولكنه يحمل جمالياته داخله، من خلال القدرة على جمع أنشطة المركز واستغلال الفراغات والإيحاء بالاتساع، وتم الانتهاء منه عام 2003.
محطة قطار ستراسبورج- ألمانيا
تم اختيار زها لتصمم محطة القطار في مدينة ستراسبورج، واعتمدت على فكرة الخطوط في التصميم، ولتبدو الإضاءة والجدران والأسقف كأنها تسير في خطوط لتتحد في نقطة ما بالنهاية، وكأنها توحي بسهولة الحركة ونشاطها بشكل غير مزعج، وتم تنفيذها من 1998 حتى 2001.
قاعة العقل- لندن
قامت زها حديد بتصميم قاعة العقل في قبة الألفية بلندن، بالشكل الذي يمنح تصورا للزائر بطريقة عمل العقل، على ان تتشابك الخطوط الإنشائية الثلاثة بالقاعة وانتهائها مع ساحة مفتوحةن وتم تنفيذ القاعة في الفترة من 1998 وحتى 2000.
منصة التزحلق- النمسا
في مسابقة عالمية، فازت زها بتصميم منصة التزحلق في إنسبروك بالنمسا، والتي تعتبر واحد من المعالم السياحية في المدينة، وتمتع التصميم بالانسيابية والتاحاد مع الطبيعة، وتم تنفيذه على ارتفاع 50 مترا وطول 90 مترا، واستغرق الانتهاء منه من 1999 وحتى 2002، ضمن مشروع تجديد حلبة الأولمبياد لتوافق المعايير العالمية.
مركز فاينو للعلوم- ألمانيا
تم تنفيذ المركز في الفترة من 2000 إلى 2005 في مدينة فولفسبورج في ألمانيا، وكانم الأول من نوعه ويوحي تصميمه الخارجي بالغموض والغرابة التي تثير الفضول للاستكشاف، وتم تصميمه على مساحة 12 ألف متر مربع، ويستند على دعائم أسمنتية مخروطية وفراغات خارجية بقاعدته تجبر الحضور على المرور من خلاله.
مبنى بي إم دبليو- ألمانيا
فازت زها بتصميم مبنى بي إم دبليو في ألمانيا عام 2001، وتم تصميمه ليستوعب إضافات مستقبلية، ويتمكن من ضم عملية إنتاج وتصنيع وتجميع السيارات، واستمر تصميمه حتى 2005.
دار أوبرا غوانزو- الصين
تعتبر ثالث أكبر دار أوبرا في الصين، وممتدة على مساحة 70 ألف متر مربع، واستوحت زها التصميم من الحصى الموجودة بنهر بيرل الذي يطل عليه التصميم، كما تم مراعاة الانسيابية والاعتماد على الإضاءة الطبيعية الموزعة بشكل ذكي، وتم تنفيذ المبنى في الفترة من 2003 إلى 2010.
مركز حيدر علييف- أذربيجان
على مدار سبع سنوات من 2006 إلى 2013، وبدا تصميمه يشبه انسياب أمواج البحر، ولا يحتوي على أبواب أو أسوار كأنه امتداد للبيئة من حوله، وياتي باللون الأصفر الذي قد يوحي أنه كومة رمل قذف به البحر، وتم تصميمه على مساحة 100 ألف متر مربع.
مركز الألعاب المائية- لندن
ساهم تصميمها لمركز الألعاب المائية في لندن، في الفترة من 2008 إلى 2011، على تسهيل احتياجات إنجلترا للمشاركة في دورة الألعاب الأولمبية 2012، وكان التصميم يشبه نقطة الماء وحركتها الإنسيابية ويضم 3 أحواض سباحة.
متحف جوجنهايم والإرميتاج- روسيا
يأتي تصميم المتحف بالشكل الانسيابي المعتاد، ويشبه كبسولة الفضاء التي تطفو فوق المسطحات الخضراء من حوله، وتم تنفيذه في الفترة من 2009 إلى 2013.
من تصميمات زها العراقية
وصممت أيضا:
- محطة البواخر في ساليرنو بإيطاليا عام 2000.
- قاعة عرض بحدبقة ألمانيا عام 1999.
- محطة قطار نوردباك بالنمسا 2007.
- متحف ريفرسايد في إسكتلندا 2011.
- برج سي إم إيه سي جي إم في فرنسا 2010.
- مركز الفنون الحديثة بروما.
- مركز دونج دايمون ديزايزن بلازا في كوريا الجنوبية 2013.
- الجسر الجناح في إسبانيا 2008.
- منحوتة جناح برنهام في شيماغو 2009.
- مبنى سوهو جالاكسي في الصين عام 2012.
- قاعة بيتهوفن للموسيقى في ألمانيا عام 2009.
- برج الابتكار في هونج كونج عام 2014.
- مكتبة ومركز تعليمي في فيينا بالنمسا 2012.
- محطة مترو الرياض 2017.
- معهد عصام فارس للسياسات العامة بالجامعة الأمريكية في بيروت 2014.
- ستاد الجنوب في قطر 2018.
- مركز التراث العمراني في الدرعية بالسعودية.
- دار الملك عبد الله للثقافة والفنون في الأردن 2010.
ماذا صممت زها حديد في الإمارات؟
جسر الشيخ زايد
على طول 842 مترا يمتد جسر الشيخ زايد، الذي تمكنت زها حديد من الفوز بمسابقة تصميمه، وهو عبارة عن متحنى أو قوس يشبه الموجة، تم تنفيذه في الفترة من 2007 إلى 2010.
المبنى العائم في دبي- برج ذا أوبس
يتم الاعتداد به كأيقونة معمارية، وتم تصميمه ليكون سيتي سكيب الشرق الأوسط، مبني ليبدو على قاعدة خفيفة توحي كأنه يطفو ويرتفع لـ 21 طابقا، وعبارة عن هيكلين مرتبطين على مساحة 250 ألف قدم، وتم الانتهاء من تصميمه في 2016.
دار أوبرا دبي
صممت زها حديد دار دبي للأبرا جوار برج خليفة وسط جزيرة مياه خور دبي، على مساحة 3 ملايين قدم ويمكنها ان تتسع لـ 2500 شخص، وتشمل مكتبتين للموسيقى ومسرحين وومدرسة للموسيقى ووقاعات للعرض والفنون وصالات للباليه والحفلات، بالإضافة لميناء بحري لليخوت وفندق ومتحف للفنون، وتم تنفيذها في الفترة من 2013 إلى 2016.
جوائز وأوسمة زها حديد
استطاعت زها حديد أن تنافس في مجال صعب، وأن تثبت قدرتها على التميز رغم تحديات حقيقية، بدأت من استهجان تصميماتها، والرهان على نجاحها لأنها امرأة وعربية، ولكنها تمكنت من إدارة مكتبها المعماري في لندن، وتتوسع من 10 موظفين إلى صرح عملاق يضم 400 شخص، وحققت معهم هذه الإنجازات:
- جائزة الدولة النمساوية للسياحة عام 2002.
- صنفتها التايمز رابع أقوي امرأة في العالم لعام 2010.
- من أقوى النساء في العالم حسب تصنيف فوربس.
- أول امرأة تفوز بجائزة بريتزكر عام 2004.
- الدكتوراة الفخرية من الجامعة الأمريكية في بيروت عام 2006.
- وسام الإمبراطورية من فرنسا برتبة كوماندوز 2006.
- جائزة توماس جيفرسون للهندسة المعمارية 2007.
- الوسام الإمبراطوري الياباني.
- وسام التقدير من الملكة إليزابيث.
- عضو شرفي في الأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب، والجمعية الأمريكية للمعماريين.
- جائزة متحف لندن عن تصميم مركز حيدر علييف في 2014.
- أول امرأة تنال جائزة ريبا للفنون الهندسية (الميدالية الذهبية الملكية للعمارة) في 2016.
حرائق بيروت تدمر تحفة سيدة المعمار الأولى
سبب وفاة زها حديد
أصيبت زها حديد بالتهاب في الشعب الهوائية، نُقلت على إثره إلى المستشفى أثناء تواجدها في ولاية ميامي بالولايات المتحدة الأمريكية، وبعد مرور أسبوع انتابتها نوبة قلبية أدت إلى وفاتها في 31 مارس عام 2016. ونعى رحيلها وزير الثقافة البريطاني ومدير البنك المركزي العراقي والجامعة الأمريكية في بيروت، ونقل رفاتها غلى لندن حيث عاشت أغلب سنوات عمرها ولكونها تحمل الجنسية البريطانية.
aXA6IDE4LjE5MS4xOTUuMTA1IA== جزيرة ام اند امز