شرفت مساء الأربعاء الموافق السادس والعشرين من شهر سبتمبر الجاري بإلقاء محاضرة في مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية بعنوان (زايد ... والقوات المسلحة)
شرفت مساء الأربعاء الموافق السادس والعشرين من شهر سبتمبر الجاري بإلقاء محاضرة في مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية بعنوان (زايد ... والقوات المسلحة)، في إطار تفاعل المركز مع مبادرة "عام زايد"، وتسليط الضوء على إنجازات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في تأسيس القوات المسلحة الإماراتية وتطورها حتى أصبحت من أفضل جيوش المنطقة تسليحاً وتدريباً.
مدرسة الشيخ زايد الثرية في الفكر العسكري والاستراتيجي ستظل مصدر إلهام متجدد، لأنه استطاع أن يبني قوات مسلحة عصرية متطورة تسهم في تعظيم مرتكزات القوة الشاملة للإمارات، وتوفر المناخ الداعم لديمومة نهضتها الشاملة
الحديث عن زايد والقوات المسلحة هو حديث عن قائد استثنائي أدرك منذ وقت مبكر أن بناء قوات مسلحة عصرية يعتبر ضرورة حتمية، ليس فقط من أجل الدفاع عن الوطن، وإنما أيضاً لتوفير البيئة المبدعة التي تضمن استمرار مسيرة التنمية والتطور في المجالات كافة. لقد كان الشيخ زايد، طيب الله ثراه، ينظر إلى القوات المسلحة باعتبارها أهم مرتكزات تعزيز القوة الشاملة لدولة الاتحاد، وتلعب دور الردع ضد من تسول له نفسه الاعتداء على الوطن أو تهديد أمنه واستقراره، ولأجل هذا جاء قراره بتوحيد القوات المسلحة في السادس من مايو 1976 ترسيخاً لدولة الاتحاد، وقد أثبتت خبرة السنوات الماضية أن هذا القرار كان من أهم القرارات الاستراتيجية التي ساعدت دولة الاتحاد على تحقيق أهدافها حتى باتت نموذجاً لأهم التجارب الوحدوية الناجحة في المنطقة والعالم أجمع.
لقد كان الشيخ زايد، طيب الله ثراه، يمتلك رؤية استشرافية عميقة لطبيعة دور القوات المسلحة تتجاوز بكثير المهام العسكرية والدفاعية إلى المهام الإنمائية والإنسانية ، بل أنه طيب الله ثراه، كان يراها الأقدر على إعداد أبناء الوطن وتأهيلهم جسدياً وذهنياً وتربوياً وثقافياً، وأنها بحق "مصنع الرجال"، بما تمتلكه من مؤسسات وخطط تدريبية وعلمية وأكاديميات متطورة تسهم في بناء الكوادر المواطنة وتأهيلها؛ كي تكون قادرة على قيادة مسيرة التنمية والدفاع عنها وتوفير ما تحتاجه من خبرات بشرية وإدارية وتخطيطية بحكم أن المؤسسة العسكرية قائمة بالأساس على مقومات وركائز وعوامل تؤهلها للعب هذه الأدوار وأداء هذه المهام الوطنية. ولعل نجاح تجربة الخدمة الوطنية والاحتياطية في الإمارات خير شاهد على عمق الرؤية الاستشرافية للشيخ زايد، طيب الله ثراه، لطبيعة دور القوات المسلحة، فقد استطاعت الخدمة الوطنية والاحتياطية منذ أن دخلت حيز التنفيذ في أغسطس من العام 2014 أن تشارك في بناء وتأهيل وتمكين الكوادر المواطنة، وأن تساعد على نقل منظومة القيم السائدة في القوات المسلحة من انضباط وإتقان وكفاءة في أداء المهام إلى باقي المؤسسات العاملة في الدولة.
وليس من قبيل المبالغة القول في هذا السياق أن رؤية الشيخ زايد، طيب الله ثراه، لطبيعة دور القوات المسلحة وموقعها ضمن مرتكزات القوة الشاملة للدولة هي جوهر النظريات الحديثة للأمن القومي والاستراتيجية، التي تدرسها المعاهد والكليات العسكرية المتقدمة في العديد من دول العالم، والتي تتبنى منظور شامل لقضايا الأمن والدفاع الوطني، تأخذ في الاعتبار كافة الأبعاد المختلفة التي يمكن أن تسهم بشكل أو بآخر في تعزيز الأمن والدفاع الوطني الشامل لأية دولة، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية . ولا شك في أن هذه الرؤية التي شكلت أساس الفلسفة الأمنية والسياسة الدفاعية التي تتبناها دولة الإمارات منذ عهد الشيخ زايد، وحتى وقتنا الراهن، هي التي جعلت من الإمارات واحة للأمن والأمان، وأسهمت في نجاح تجربتها التنموية.
الفكر العسكري والاستراتيجي للشيخ زايد ، طيب الله ثراه ، تجلى كذلك في العقيدة التي وضعها للقوات المسلحة، والتي عبر عنها بقوله: "لقد عمدنا لبناء جيش قوي ذي كفاءة قتالية عالية لا عن رغبة في غزو أحد او قتال وإنما ليحمي الأرض ويصون العرض ويذود عن حياض الوطن الذي حقق لأبنائه العزة..إننا دولة تسعى إلى السلام وتحترم حق الجوار وترعى الصديق ولكن حاجتنا إلى الجيش القوي القادر تبقى قائمة ومستمرة"، ومن هنا كان حرصه، طيب الله ثراه على تحديث وتطوير القوات المسلحة وتزويدها بكل أنواع الأسلحة المتقدمة، ليس بهدف البغي أو العدوان، وإنما لتكون حصنا للسلام وحامية له، وعونا للأشقاء في أوقات المحن والأزمات، وأداة للمساهمة في حفظ الأمن والسلام على المستوى الدولي.
لقد كان الحفاظ على مقتضيات الأمن القومي الخليجي والعربي أحد أبعاد العقيدة العسكرية التي وضعها الشيخ زايد، طيب الله ثراه ، وانعكس ذلك في مشاركة القوات المسلحة الإماراتية في العديد من المهام الخارجية التي جسدت التزام الإمارات بالدفاع عن الأمن القومي الخليجي والعربي، والتضامن مع الأشقاء في مواجهة التحديات والمخاطر التي تواجههم، وهي العقيدة التي تواصل الإمارات السير على نهجها الآن، لأنها تدرك أن تعزيز الأمن والاستقرار في أي دولة عربية يصب في صالح تعزيز الأمن القومي العربي المشترك.
ولعل من المواقف التي تكشف عن عبقرية لشيخ زايد، طيب الله ثراه، كقائد ملهم هي موقفه من حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، فلن ينس التاريخ مقولته الخالدة إن "النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي"، تلك المقولة التي لا تعبر فقط عن إيمان الشيخ زايد ، بقيمة التضامن العربي، وإنما تكشف عن فكره العسكري والاستراتيجي العميق، فقد كان يدرك أن النجاح في أي معركة يتطلب توظيف مختلف أدوات القوة، العسكرية والسياسية والاقتصادية والإعلامية والدعائية، ولهذا لم يتردد في توظيف النفط كسلاح سياسي في معركة السادس من أكتوبر عام 1973، ليكون أول قائد يفعل ذلك، ويسهم بالفعل في تغيير سير المعركة لصالح الموقف العربي.
مدرسة الشيخ زايد الثرية في الفكر العسكري والاستراتيجي ستظل مصدر إلهام متجدد، لأنه استطاع أن يبني قوات مسلحة عصرية متطورة تسهم في تعظيم مرتكزات القوة الشاملة للإمارات، وتوفر المناخ الداعم لديمومة نهضتها الشاملة، وفي الوقت ذاته تردع كل من تسول له نفسه التفكير في تهديد أمن الوطن واستقراره، وعلى هدي هذه المدرسة تمضى الإمارات بخطى ثابتة وواثقة نحو حماية مكتسباتها التنموية والحضارية وتعزيز دورها في حفظ السلم والأمن على الصعيدين الإقليمي والدولي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة