الخلافات بين قادة تنظيم الإخوان الإرهابي قديمة ومستمرة، لكنها دائماً كانت مرتبطة بالتفاعلات داخل التنظيم.
وأخص بالذكر هنا ما يتعلق باللوائح وآليات تسيير أمور التنظيم، والتي كانت مستترة في اجتماعاته المغلقة، حتى انكشفت حقائقها حين مسّت الضغوط الخارجية نقاط ضعفه ومكامن الخلل فيه، وهي تلك المتعلقة بالممارسة والأداء العملي وليس بالأفكار والشعارات، وهو ما اتضح بشدة عندما وصل الإخوان إلى حكم مصر وبدؤوا ممارسة العمل السياسي من موقع السلطة والمسؤولية عن احتياجات شعب ودولة، فشلوا فيها تماما بأسرع وقت.
لقد أثبتت التجربة الواقعية افتقاد "الإخوان" أي قدرات أو كفاءات بشرية في مجالات العمل العام، لا سياسة ولا اقتصاد ولا تعليم ولا نقل ولا صحة ولا غيرها، وتسبب ذلك الانكشاف في بوادر انقسام داخل التنظيم.. فقد تمرد شبابه على شيوخه التقليديين المتمسكين بمقاعد القيادة وصراعاتها المالية، ولم يكن عدد الشباب المتمرد قليلاً، وهم على كثرتهم قد قدموا انتقاداتٍ شديدة للتنظيم، خاصة مع افتضاح فشله المتتالي في أكثر من مكان.
ولنأخذ هنا في الاعتبار أن تقاليد التنظيم ومسارات التربية داخله لا تسمح أصلاً بتوجيه أي نقد له ولا حتى إلى أي نزوع إلى النقاش والمجادلة.
لذا، فالسبب الجوهري في خروج ذلك التمرد غير المسبوق من داخل الإخوان إلى النور أنه استند إلى ردود الفعل الشعبية وحالة الغليان، التي سادت الشارع العربي ضد التنظيم وسلوكه العدواني، مع سقوط حُجة المظلومية وذريعة التضييق والملاحقة، التي طالما ساقها قادة التنظيم عبر عقود لتبرير جمودهم ودكتاتوريتهم الداخلية وعدم الاندماج في الحياة العامة مثل أي تيار سياسي مدني.
وأمام أمواج الانقسامات لم يبقَ لقادة الإخوان، المتصارعين أصلا فيما بينهم، إلا التحصُّنُ بما يسمونه "لوائح التنظيم"، لكي يحققوا التفاتا ظاهريا أمام شباب الإخوان تحت ذريعة "أولوية وضرورة بقاء التنظيم في حالات المحنة".
هنا يتضح الفارق الشاسع والفجوة الهائلة بين كل الأزمات السابقة، التي ألمّت بتنظيم "الإخوان"، وبين الأزمة الأخيرة التي ضربتهم بالفعل في مقتل، وبات الجميع ينتظر إعلان المنتصر فيها بين فرع إسطنبول، الذي يتزعمه محمود حسين، وبين مكتب لندن بقيادة إبراهيم منير، فقد انفجر الخلاف بين الاثنين وانكشفت خلافاتهما الكامنة.
الأزمة الحالية ملغومة ومعبأة بحزمة من "القنابل الموقوتة"، كل منها كفيل بتفجير التنظيم بالكامل من داخله، فهي أول أزمة تنتقل فيها الخلافات بين كبار الإخوان إلى مرحلة المباراة الصفرية، حيث لا حلول وسط ولا مواءمات، ولا فرصة نهائياً لبقاء أطرافها معاً.. أي لا بد من اختفاء أحد الطرفين، وما وراء ذلك هو بذاته قنبلة أخرى، فالاتهامات المتبادلة بين إبراهيم منير ومحمود حسين تتعلق مباشرة بالمبادئ والقيم، التي يزعم التنظيم كذباً التمسك بها، إذ تشمل الاتهامات تجاوزات مالية وإدارية وتمييزا واضطهادا لأعضاء التنظيم لأسباب غير موضوعية، فضلا عن سلسلة طويلة من مظاهر الفساد والانحراف الإداري والشخصي.
وبوصول الخلاف داخل التنظيم إلى هذا الحد من الصراع المفتوح والعلني، فليس هناك مستقبل للإخوان، حتى حاضرهم صار محل شك، فقد ينتهي الصراع بفوز أحد المتصارعَين ومجموعته، لكنه يظل فوزاً بطعم الهزيمة، هزيمة التنظيم ككل وليس هذا أو ذاك، فيما يستشيط آلاف من شباب الإخوان غضباً ورفضاً لهذين المتصارعَين على أموال التنظيم ومناصبه.
يجب هنا الوقوف قليلاً والتفكير في مستقبل التنظيم بعد تلك الأزمة المفصلية، فالحرب الجارية بين "منير" و"حسين" لن تنتهي بفوز أحدهما بشخصه أو بمجموعته، فإزاحة هذا أو ذاك قد تؤمّن سيطرة نسبية لفترة زمنية قصيرة، لكنها لن تعود بالتنظيم إلى نقطة ما قبل تكسير العظام، فالحديث عن نهاية الأزمة بين الجناحَين يحتاج إلى توزيع السلطات والصلاحيات، وهذا وفق هيكل التنظيم مستحيلٌ وغير قابل للتعديل بسهولة، وبالتالي نحن أمام سيناريو حقيقي لنهاية الإخوان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة