العالم يمور، والتسارع سمة العصر الرقمي، والتسريع استراتيجية الحكومات المتقدمة والمنافِسة على قيادة المستقبل.
ففي كل دقيقة بل وثانية هناك تدفق هائل من المعلومات والبيانات وكأنها انهمار شلالات رقمية غير متناهية!.
فالتسارع بات خاصية العصر، والتسارع يتطلب بنى تحتية متينة وفائقة التوصيل والاتصال، وكذلك بنى فوقية فائقة الاستجابة الريادية والابتكار التحويلي.
وإنّ البنى التحتية الرقمية تتجلى قوتها التنافسية في نظم الإدارة والإنتاج والتصنيع والتسويق والخدمات، جنودها أرقام لا متناهية وعتادها بيانات جبارة وجهازها العصبي هو الذكاء الاصطناعي وما معه من روبوتات وأنظمة تكنولوجية.
والبنى الفوقية تتجلى قوتها وعظمتها في الموارد البشرية، في أصحاب العقول وملوك التفكير والتخطيط والاستشراف.
وهذا يتطلب إعداد موارد بشرية فوق العادة، لديها قدرات عالية جداً للتحكم بأحصنة الذكاء الاصطناعي وحبس طاقة الأرقام المتدفقة في خاناتها ومساربها الآمنة، ضمن قيم بانية ورؤية استراتيجية تحتضن التنمية المستدامة وروح الريادة والابتكار.
مما سبق ذكره فإنّ التوجه نحو "التصفير البيروقراطي" هو خطوة راسخة على طريق النجاح في استدامة التسريع الحكومي والمؤسساتي في المعاملات للتخلص من حشو التفاصيل غير المهمة في الإجراءات والخطوات.
ولأجل بلوغ أداء إداري فائق السرعة، اختصاراً للوقت والجهد واستثماراً لهما في التكيف الإبداعي والاستجابة الريادية اليقظة في تتبع ما يحدث والتنبؤ بالسيناريوهات المستقبلية الممكنة وغير المتوقعة.
وقد كانت حكومة دولة الإمارات سبّاقة في الدعوة إلى "تصفير البيروقراطية" حيث قال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم إمارة دبي: "البيروقراطية هي العائق الأهم أمام الريادة في خدمة الناس، هدفنا راحة الناس وخدمتهم، وتسريع الإنجاز وتقديم أفضل خدمات حكومية في العالم".
فالتصفير البيروقراطي على الطريقة الإماراتية يجعل من خدمة الناس وراحتهم والتنافس على تقديم أفضل خدمات حكومية للناس في العالم كله هي الطريقة التي يحتذى بها والتي تختزن في جوفها منبع القيم الإماراتية المثمرة والراسخة الجذور، والتي أكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات على "تقدير كل جهد يرسخ قيم الإمارات".
لقد أصبح تطبيق "التصفير" يعبر عن روح العصر وفلسفته، وكأنّ تكوين العالم الجديد قائم على جعل المعالجات البرمجية الهائلة للمعلومات والبيانات تقع تحت ظل الصفر الآمن، لتكون المخرجات مُبَّسطة ومتسارعة ومتاحة بأعلى مستويات التسهيل لخدمة الناس وتمكينهم.
اليوم لم يعد المعيار هو الأحجام والمساحات والتعقيدات، بل البساطة العميقة هي فلسفة الحياة الجديدة وروحها، فالسحابة التخزينية الافتراضية مثلاً قد تحتوي بداخلها من دون أن تشغل مساحة تذكر على ملايين البيانات والأرقام والوثائق والتي قد تحتاج لذاكرة غير افتراضية كبيرة جداً أو إلى مكتبة ورقية.
والألياف الضوئية المستخدمة في شبكة الإنترنت حول العالم أسرع بكثير من الأسلاك النحاسية مع أنها تنقل البيانات بسرعة أعلى وحجم أكبر بكثير وفي وسط فارغ وبخفة مذهلة كالسحر مقارنة بأسلاك النحاس الثقيلة!.
إنه إذاً العصر الجديد، عصر الأرقام، وبالتالي عصر السحر الرقمي والقفزات الخيالية، وعصر جعل البساطة العميقة والهادفة هي نمط الحياة والتعليم والإدارة والقيادة.
إنه عصر الصفر الممتلئ!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة