تعدد الأجهزة بالمطارات الأمريكية قد يعوق أي تعديلات أمنية
تداخل المهام والاختصاصات التي تحدد الجهة المسؤولة عن الأمن يجعل إجراء تعديلات أمنية في أي مطار رئيسي بأمريكا صعبًا.
لاحظ المسافرون عبر مطار جون كنيدي الدولي، في نيويورك هذا الأسبوع، مظاهر أمنية مستجدة بعد الهجوم على مطار بروكسل.. رأوا جنودًا أمريكيين في زي عسكري مموه مسلحين بالبنادق، وضباط شرطة يرتدون سترات سوداء واقية من الرصاص، وحرسًا أمنيًّا خاصًّا، يوجه حركة المرور ويرتدي سترات صفراء فسفورية.
كان اختلاف الزي يعكس تداخل المهام والاختصاصات التي تحدد الجهة الاتحادية أو الإقليمية أو المحلية أو حتى الجوية المسؤولة عن الأمن في كل رقعة على نحو قد يجعل إجراء تعديلات أمنية كاسحة في مطار جون كنيدي أو أي مطار رئيسي آخر بالولايات المتحدة صعبا في أعقاب هجوم بروكسل الدامي.
في مطار جون كنيدي .. تقع مسؤولية إنفاذ القانون في الأساس على شرطة هيئة الموانئ التي تديرها هي نفسها ولايتان: نيويورك ونيوجيرسي. أما مسؤولو الجمارك وحماية الحدود الأمريكية فيفحصون وثائق الهوية بينما تتولى إدارة سلامة النقل التابعة لوزارة الأمن الداخلي مهمة الفحص عند نقاط التفتيش الأمني.
وفي المكان ينتشر أيضًا أفراد -وإن لم تكن العين تلحظهم بالقدر نفسه- من مكتب التحقيقات الاتحادي وأجهزة أخرى مثل وزارة الزراعة ومكتب الكحول والتبغ والأسلحة النارية والمتفجرات. ولشركات الطيران أمنها الخاص بزيه الخاص. ويمكن لسلطات المطار أن تستدعي أيضًا شرطة نيويورك إن سارت الأمور على غير ما تشتهي الأنفس.
وفي حين أن استعراض القوة قد يبث الطمأنينة في نفس المسافرين يمكن لتداخل عمل الأجهزة المختلفة، أن يقف حائلًا أمام إجراء تغييرات في الإجراءات الأمنية مثل ضم الأجزاء المخصصة لشركات الطيران في إطار منطقة أمنية واحدة.
فالبعض يقترح هذا كسبيل لمنع هجمات كتلك التي وقعت في منطقة الفحص بمطار بروكسل الرئيسي يوم الثلاثاء الماضي والتي كانت واحدة من سلسلة تفجيرات أوقعت 31 قتيلًا على الأقل.
ولا ينفرد مطار جون كنيدي بمثل هذه الإجراءات. فهناك مطارات أمريكية كبرى أخرى تشهد التعقيدات نفسها.
قال روبرت مان، المستشار بقطاع الطيران: "الوضع بات أسوأ بكثير. هناك الآن من أجهزة إنفاذ القانون ما يفوق بكثير ما اعتدنا عليه".
وأضاف أن شركات الطيران وسلطات المطارات تستاء من أي تعطل للحركة وتحسب تكاليف كل دقيقة تمر في حين تريد الأجهزة الأمنية سيطرة تامة على الأمور. وقال: "من الطبيعي أن تكون هناك حالة من التوتر بين كل هذه الأطراف، وأن يحدث تعطل في كل مرة تحاول فيها عمل تغيير". حتى أصغر التعديلات يحتاج جهدًا.
وتختلف حدود المهام من منطقة لأخرى؛ ففي مطاري أوهير وميدواي توجد لدى إدارة الطيران في شيكاغو قوة شرطة أفرادها مسلحين بعصي إلكترونية لكنهم لا يحملون أسلحة نارية كتلك التي تتسلح بها شرطة المدينة في منشآت مطارات شيكاغو. وفي مطاري ريجان ودالاس في منطقة واشنطن يحمل أفراد شرطة المطار أسلحة نارية.
حتى وإن شهد مطار جون كنيدي تعديلات؛ فإن كثافة الإجراءات البيروقراطية قد لا تشجع المطارات الأخرى على اتخاذ تلك الخطوة.
وأشار مارك كروسبي مدير السلامة والأمن العام في مطار بورتلاند الدولي إلى أن ما يناسب مطارًا، قد لا يناسب آخر قائلًا: "إن كنت قد رأيت مطارًا واحدًا فقد رأيت مطارًا واحدًا".
وقالت متحدثة باسم هيئة الموانئ التي تدير مطارات نيويورك، إن "التنسيق لازم" عند وقوع حدث أمني، وإن الهيئة تجري تدريبات بصورة منتظمة مع شركائها الأمنيين. وامتنعت عن التعليق عما إن كان تعدد الأجهزة في جون كنيدي قد يعرقل عملية التغيير.
استغل مهاجمو بروكسل حقيقة أن الأمن يركز على منع وقوع هجمات على الطائرات أكثر من تركيزه على منعها في المطارات. فصالات الركاب في غرب أوروبا والولايات المتحدة مساحات عامة يسهل دخولها. لكن الحال ليس هكذا في دول الهجمات بها أكثر شيوعًا.
ففي مطار بن جوريون بإسرائيل، والذي كان يوصف في إحدى الفترات بأنه نموذج لصرامة الإجراءات الأمنية تستخدم شركات أمن خاصة تدربت على أيدي جهاز الأمن الداخلي (شين بيت) أجهزة لرصد القنابل، وتطرح أسئلة على المسافرين على مرأى ومسمع من الشرطة عند مدخل المطار.
لكن خبراء يقولون، إن هذا الأسلوب له حدود تقيده وقد يؤدي إلى تحويل هدف الهجوم إلى موقع آخر في المطار.
قال كروسبي: "أيًّا كان موقع نقطة التفتيش الأمني، سيظل هناك هدف لأصحاب النوايا الشريرة الذين لن يكون بوسعك التخلص منهم أبدًا".
وأضاف: "يحب الناس الاستشهاد بالنموذج الإسرائيلي. لقد جعلوا الأمر أشبه بمنشأة عسكرية في العراق. لكن حتى هذه عرضة للهجمات كما نعرف".
قال جيمس نورتون مستشار الأمن الداخلي والمسؤول السابق في وزارة الأمن الداخلي، إن إدارة سلامة النقل "تعمل على تطبيق نظام فحص الحقائب فائق السرعة. لكن هذا شيء ليس بوسع إدارة سلامة النقل أن تنهض به وحدها". وأضاف: "المطارات يجب أن تدخل في النقاش وأن تجد البنية التحتية والتمويل اللازمين لدعم هذا الأمر".
وتدخل في هذا شركات الطيران التي تغطي رسوم استخدامها للمطارات نصف ميزانية مطار أو ما يزيد. ولهذا تملك شركات الطيران فعليًّا سلطة رفض خطط إنفاق رؤوس أموال المطارات، حسبما يقول كروسبي.
ولعبت هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، التي أدت إلى إنشاء إدارة سلامة النقل دورًا في تركيز شركات الطيران اهتمامها على الأمن. لكن شركات الطيران قد تظل مستاءة من إنفاق مبالغ تتجاوز ما يطالبها بها القانون الأمريكي، وفقًا لما ذكره كروسبي.
وقالت مجموعة "إيرلاينز فور أمريكا" التجارية "نعمل دومًا مع السلطات الاتحادية والمحلية .. لضمان أن نكون متأهبين لأقصى درجة ممكنة لحماية الركاب وأطقم الضيافة والطائرات".
وما من شيء يشير إلى أن هيئة الموانئ غير قادرة على تنسيق عمل الأجهزة الكثيرة المنتشرة في مطار جون كنيدي. لكن الوضع على الأرض قد يكون ملتبسًا.
في المطار قالت مجموعة من ضباط سلطة الموانئ مسلحة تسليحًا كثيفًا، يوم الأربعاء، إنها لا تمانع في أن يلتقط مصور "رويترز" لقطات للمكان.
لكن بعد دقائق جاء أحد أفراد الحرس الخاص وأمر صحفيي رويترز بمغادرة الصالة وعبور الشارع إلى منطقة مفتوحة مخصصة لانتظار السيارات.