ما بين مناورة إقفال "السفير" ورواية "سعادة السفير" للقصيبي
الصحيفة التي كانت تعتبر من كبريات الصحف اللبنانية غرقت في السنوات الأخيرة في الانحياز لمحور الممانعة ولإيران وحزب الله.
"الصوت الصادق" هو اسم الجريدة المتخيلة في رواية "سعادة السفير" الشهيرة، للأديب السعودي الراحل غازي القصيبي. الرواية، التي صدرت قبل أعوام خلت، تقدم شخصية سمير بطاش، الذي يلجأ إلى سعادة السفير يوسف الفلكي في كل مرة يشعر فيها بعجز مالي، ليقدم له عرضاً بالوقوف في صف دولته مقابل مبلغ مليون جنيه استرليني.. فقط لا غير!
يتجاهل السفير عرض بطاش، رغم أنه كان يعلم أن "لكل إنسان ثمنا، ولكل إنسان نقطة ضعف"، لكنه لم ينفك في التفكير بطريقة طلب المبلغ (الذي حافظ على قيمته عينه في كل أزمة مالية واجهت بطاش)، وبخطورة الموافقة على طلبه المغري، إذ كان يدرك أن دولته لم ولن تقبل بمثل هذه التجاوزات والمساومات.
واليوم.. وفي عصر بدأت فيه كبريات الوسائل الإعلامية الورقية في الإقفال أو إعلان رغبتها بالتنحي عن أرفف المكتبات ورقيًا، وتحولها إلى الصحافة الرقمية الإلكترونية، كان آخرها إعلان "الإندبندنت" البريطانية الأسبوع الماضي توقف صدورها الورقي، والتحول إلى موقعها الإلكتروني، بغية التخفيف من الأعباء المالية، بسبب ضعف مداخليها.
هذا في بريطانيا طبعاً، أما في الوطن العربي، ففاجأتنا قبل أيام صحيفة "السفير" اللبنانية، بقرار إقفال الصحيفة والموقع الإلكتروني بسبب تحديات مالية تواجهها.. وما هي إلا أيام قليلة من الأخبار المتضاربة حول الإقفال من عدمه، والتعويض على صحافييها من عدمه، حتى أعلن رئيس تحريرها طلال سلمان تراجعه عن قرار الإقفال.. وربما تأجيله لشهر أو شهرين فقط!
الصحيفة التي كانت تعتبر من كبريات الصحف اللبنانية غرقت في السنوات الأخيرة في الانحياز لمحور الممانعة ولإيران وحزب الله وفتحت صفحاتها لآراء متطرفة وحاقدة ومحرضة تذكرنا في إعلانها الإقفال والعودة بجريدة "الصوت الصادق"، وذكرنا سلمان ومناورته في الإغلاق بمناورة سمير بطاش أمام السفير يوسف فلكي.
شريحة كبيرة من اللبنانيين شعروا بالخذلان من الجريدة وإدارتها، حتى قراء الجريدة وكتابها أنفسهم ورأينا شجب عشرات منهم لما أسموه "متاجرة" سلمان بسمعة الجريدة وتاريخا وصحافييها.. ووصل بهم الأمر أن أطلقوا هاشتاغ #السفير_صوت_من_يدفع_أكثر!.
هناك من لم يتفاجأ بمناورة الإغلاق، نظراً لمعرفتهم بالآلية المتبعة في إدارة الصحيفة تحريرياً وإدارياً، وإدراكهم أن أفضل طريقة لجذب المال السياسي هي الصراخ وادّعاء الألم، حتى تحصل على بركة الزائر!
ومن بين النكات والتعليقات التي طالت نبأ إعلان الإغلاق، كتب أحدهم: "صحيفة السفير حتى لقاء البارحة مع السيد نصر الله 50 بالمائة منها سوري، و50 بالمائة منها حزب الله، والآن صارت 99 بالمائة منها إيراني وواحد سوري!"، أما الزميل فيصل عباس وهو إعلامي سعودي يرأس تحرير موقع العربية نت الإنجليزي فكتب في حسابه على تويتر: "أحزن على أي وسيلة إعلامية تغلق، لكن السؤال هو هل سيفتقد أي أحد فعلاً جريدة السفير؟.. لا أعتقد ذلك، وهذا قدر من يختصر مؤسسة كاملة في شخصه".
كثير من المراقبين للمشهد الإعلامي، وجدوا أن جريدة السفير التي خرجت نخبة من الصحافيين، وصلت إلى القعر، في المحتوى وفي الإدارة التي لطالما ابتزت مموليها اللبنانيين والعرب.. وبعدها خسرت الكثير من صحافييها الذين لم يعد بمقدورهم احتمال انحياز الصحيفة الفاضح وتنظيرها في حماية حقوق الناس من دون أن تطبق ذلك داخلياً.
وسط كل ذلك، كيف يمكن للصحيفة التي لم يعد لها صوت لا للذين لهم وصوت ولا لأولئك الذين لا صوت لهم، الاستمرار من دون الحاجة لطلب المدد والعون من "أنصار قلم" رئيسها، بطلبه حفنة من المال والدنانير، بعد أن باءت محاولاته لاستمالة الغير، على شاكلة مناورة سمير بطاش، وأصبح يفتش عن العملة الصعبة في عش الدبابير.
aXA6IDE4LjIyNi44Mi45MCA= جزيرة ام اند امز