زيارة الملك سلمان للقاهرة ترسم خارطة علاقات حول قضايا شائكة
الزيارة تأتي بعد ما يقارب 15 شهراً، من تولي الملك سلمان مقاليد الحكم، لتأكيد عمق العلاقات بين البلدين
"زيارة العاهل السعودي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود لمصر .. خارطة علاقات جديدة" هذا هو الإجماع من كل الأطراف في البلدين والمنطقة وأطراف عالمية على فحوى زيارة الملك سلمان للقاهرة، والتي ستضع نهاية لكل التكهنات والتوقعات بشأن العلاقات بين مصر والسعودية، على خلفية رؤى مختلفة في بعض القضايا الاقليمية.
الزيارة تأتي بعد ما يقارب 15 شهراً تعتبر الزيارة الأولى رسميا، من تولي الملك سلمان مقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية في يناير/ كانون الثاني 2015، لتضع حداً لكل ما يتردد بشأن حالة اللغط في ملفات العلاقات بين مصر والسعودية، ولتأكيد عمق العلاقات بين البلدين، وحرص كل من الرئيس عبد الفتاح السيسي والملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود في أكثر من مرة على تصدير صورة إيجابية عن العلاقات بين البلدين، رغم ما حدث من متغيرات على مدار العام 2015 في رؤى البلدين تجاه بعض القضايا الساخنة.
وفي ظل كل رسائل التطمين التي أرسلها الإعلام ستبقى العديد من التساؤلات قائمة، خصوصا ما يتعلق بما ستسفر عنه الزيارة، بما في ذلك الأبعاد السياسية في سوريا واليمن وليبيا ولبنان، والعلاقات المصرية مع تركيا، وقطر، وما يتعلق بالقوة العربية المشتركة، وعلاقتها بالتحالف الإسلامي، إلى جانب ما يتعلق بالجوانب الاقتصادية.
لا شك أن قضية العلاقات الإعلامية ستكون أهم الأبواب المقرر أن يتم التوافق عليها، حتى لا يتكرر نهج الهجوم "المكرر" عبر مجموعات محددة من الإعلاميين، ويبدو أن هذا الملف تم التوافق عليه، ليصبح جزءا من الماضي، وطي ملف شائك في مرحلة تتسم بمزيد من التكهنات إذا تم تأجيل حسم ملفات الإعلام.
والملف السوري واحد من أهم ملفات العلاقات المصرية السعودية، وبدا أن اللقاء المشترك بين الزعيمين العربيين في حفر الباطن في ختام مناورات "رعد الشمال" أسفر عن تفاهم يضع القضية السورية في بؤرة الإهتمام من أجل مصلحة سوريا، مع مواجهة الخطر "الداعشي" الذي أكل سوريا، وشرد أهلها، ومرعاة المخاوف السعودية، مع التركيز على الحلول السياسية في إطار عمل رؤية دولية عربية إقليمية.
ومن هنا قد تكون الزيارة في ظاهرها العام دبلوماسي، بل بدا في الجانب الأهم "سياسي"، إذا ما تم الأخذ بعين الاعتبار مخاوف السعودية المستمرة للحفاظ على حدودها من الإرهاب والمد الطائفي، الذي ترى السعودية في سوريا أنها أحد أهم مصادره، وهو ما يرى الملك سلمان في مصر دورا محوريا باعتبارها أحد أهم أطراف اللعبة.
ويبدو أن التفاهم أضحى سيد الموقف إزاء القضية السورية، والأخذ بتحفظات كل طرف، حيث إن مصر هي الأخرى تقف في خندق الحفاظ على عدم سقوط سوريا وتقسيمها، خصوصا أن سوريا تعتبر عمقًا استراتيجيًا رئيسيا لمصر، وسقوطها يهدد هذا المفهوم التاريخي، ولهذا تتمسك مصر بدعم نظام دمشق الحاكم لعدم تفتيتها على أيدي المعارضة السورية، أو الدول التي تريد دخولها وتقسيمها.
ومن الملاحظ أن زيارة العاهل السعودي تأتي قبل أيام انعقاد القمة الإسلامية الثالثة عشرة لمنظمة التعاون الإسلامي المقرر عقدها في اسطنبول، في الفترة من 10 إلى 15 أبريل /نيسان الجاري، وهو الأمر الذي يشير إلى دور محوري للملك سلمان في أن تكون للدبلوماسية السعودية مسعى للتوسط من أجل الوصول لحل للأزمة التركية المصرية، يرضي مختلف الأطراف، وعلى الأقل تهدئة إعلامية، وفي التصريحات الدبوماسية، في محاولة لتقريب وجهات النظر وحل الخلاف، لتصبح دافعا في اتجاه إتمام نوع من المصالحة.
ويبقى السؤال الشائك، هل سيتم حسم هذا الملف في ظل ما تراه مصر في خطأ تركي يتمثل في احتضان ودعم رموز من جماعة الإخوان، والذي ترى مصر أنه يمثل خطرا على استقرار البلاد في اللحظات الحرجة التي تمر بها الدولة المصرية؟ الإجابة مرهونة بالتوصل إلى كيفية تسليم السيسي رئاسة القمة إلى أردوغان في القلب التركي وبحضور زعماء 57 دولة، ومن هنا يصبح اهتمام الرياض بترطيب العلاقات المصرية - التركية ذات أولوية رئيسية.
وفي الجزء المتعلق بالعلاقات بين مصر وقطر، يتضح أن لقاءات حفر الباطن الشهر الماضي، كانت نقطة التقاء حول بعض الأمور العالقة، وهو ما ذكرته العديد من وسائل الإعلام ولم تنفه أو تعلق عليه كل من الدبلومسية المصرية أو السعودية، وهو ما يرجح أنه من أهم ملفات لقاء "سلمان – السيسي".
ويبدو أن الملفات الاقتصادية شبه محسومة، فوفقا لتصريحات السفير أحمد بن عبد العزيز قطان، سفير خادم الحرمين الشريفين لدى جمهورية مصر العربية ومندوب المملكة الدائم لدى جامعة الدول العربية، والذي قال فيه " إن الزيارة تأتي في ظل الاهتمام الكبير الذي يوليه خادم الحرمين الشريفين بمصر حكومةً وشعباً، وحرصه على تعزيز التعاون المستمر بين البلدين الشقيقين في كافة المجالات".
والكثير من الإتفاقيات الاقتصادية تم صياغتها وإعدادها للتوقيع، خلال أعمال مجلس التنسيق السعودى- المصرى، في ضوء ما أمر الملك سلمان في ديسمبر الماضي بمساعدة مصر بتلبية احتياجاتها البترولية على مدى السنوات الخمسة المقبلة وزيادة الاستثمارات السعودية هناك لتصل إلى أكثر من 30 مليار ريال "ثمانية مليارات دولار"، مع العمل على تعزيز حركة النقل في قناة السويس من خلال حركة ملاحة السفن السعودية.
وكان قد تم إنشاء مجلس التنسيق السعودي المصري لتنفيذ إعلان القاهرة، الذي وقعه الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي خلال زيارته لمصر نهاية يوليو الماضي، والذي سيتولى الإشراف على تقديم المبادرات وإعداد الاتفاقيات ومذكرات التفاهم والبرامج التنفيذية.
ومن المقرر تدشين مشروع مدينة الملك سلمان في مدينة 6 أكتور "غرب القاهرة"، والتي تمتد على مساحة 10 آلاف فدان، بخلاف "جامعة الملك سلمان" بطور سيناء، على مساحة 205 أفدنة وتضم الجامعة عددا من الكليات مثل السياحة والهندسة والطب والثروة السمكية والتعدين، وغير ذلك من المشروعات التي ستلعب السعودية دورا في تمويلها.
السعودية هي من أكبر الدول الخليجية الداعمة لمصر، وقدمت بعد 30 يونيو لمصر ملياري دولار وديعة فى البنك المركزى المصرى لدعم الاحتياطى النقدى، بالإضافة إلى 700 مليون دولار منتجات بترولية.
وفي النهاية الجميع يضع آمالا كبيرة على قمة "سلمان – السيسي" لتنطلق منها البلدان إلى انطلاقة أكبر من التعاون في مختلف المجالات، ولتعزيز مواجهة التحديات الخارجية، ومكافحة الإرهاب، ودعم رؤية الأمين العام الجديد للجامعة العربية في تعزيز وحدة الصف العربي تجاه تحديات أكثر خطورة.
aXA6IDMuMTM4LjEyNS44NiA= جزيرة ام اند امز