وأخيرا فعلها الإيرانيون، ووسعوا من قواعد تحركهم، وباشروا بتنفيذ ستراتيجية تدخل جديدة في الشأن السوري، وتورطوا أكثر في جحيم الصراع السوري الداخلي، فثمة تطور خطير ومقلق ومثير لكل عوامل التوتر في المنطقة، يتمثل في إعلان الحكومة الإيرانية رسميا إرسال لواء مجهز من الجيش الإيراني، وليس من منظومة الحرس الثوري للقتال في العمق السوري، ولنصرة النظام الذي يعيش جيشه وضعا متداعيا حوله لمجاميع متفرقة من الميليشيات! هذا التطور يأتي بعد الإعلان الروسي بإنسحاب القسم الأعظم من قواته الجوية ومستشاريه من العمق السوري، كما أنه يأتي بعد خمسة أعوام على مشاركة إيران وميليشياتها في إدارة صفحات الحرب من خلال المجاميع الإستشارية من قادة وقوات الحرس الثوري، أوجهود الميليشيات الطائفية القادمة من لبنان والعراق وباكستان وأفغانستان!
الواقع الميداني السوري قد حمل مفاجآت كبيرة للجهد العسكري لقوات الحرس الثوري التي قدمت خسائر بشرية غير مسبوقة منذ أيام الحرب العراقية/الإيرانية، حتى أن جنرالات الحرس الذين قتلوا في الجبهات السورية قد أحدثوا شرخا كبيرا في الجسم العسكري لتلك المؤسسة العقائدية التي لايثق النظام الإيراني إلا بها، لكن تصاعد حجم الخسائر دفع النظام لتغيير الستراتيجية الميدانية في الشام من خلال إشراك وحدات «إستشارية» من الجيش الإيراني في المعركة التي تعتمد على قضم أكبر مساحات ممكنة من الأراضي السورية الخاضعة للمعارضة، وبهدف محوري أساسه تقوية الموقف التفاوضي في جنيف، ومحاولة تعويم وإعادة إدماج النظام في المعادلة الإقليمية، وهومخطط طموح يسعى الإيرانيون إلى تنفيذ الجزء الأكبر منه، لكون خسارتهم المعركة في الشام تعني خسارة ستراتيجية عظمى لا يمكن تحملها وفقا للحسابات السياسية والعسكرية الإيرانية، لكن المخاطرة الكبرى تتمثل في إدخال الجيش الإيراني الرسمي في معركة هي أساسا معركة داخلية سورية وجزء من حرب أهلية، تشكل منعطفا حادا في طبيعة الدور العسكري الإيراني في المنطقة، وهومنعطف سيؤدي تدريجيا بحكم تطور العمليات والحرب الإستنزافية وطبائع الأمور لزيادة التورط الإيراني وبما قد يؤدي لأدخال ألوية أخرى من الجيش في المعركة!
وبما سيفرض وقائع وردود فعال إقليمية خطيرة قد تنعكس لاحقا على الوضع الداخلي الإيراني! بكل تأكيد بعد خمسة أعوام من الحرب الشرسة التي إستعمل النظام فيها كل مخزونه من أسلحة مرحلة ما عرف بأسلحة «الصمود والتصدي والتوازن الستراتيجي»، ولم يوفر حتى السلاح الكيماوي الذي إستعمله في معارك الغوطتين العام 2013 قبل أن يضطر للتخلي عن مخزونه وتسليمه في خطوة كانت مثالا على الإنتهازية الرثة وعلى إستعمال مختلف الوسائل من أجل كسر إرادة الثوار وإجهاض الثورة التي لم تتوقف رغم العنف المفرط بل زادت نيران إستعارها بشكل إستدعى معه النظام كل حلفائه التاريخيين لإنقاذه من ورطته التاريخية!، الجهد العسكري للجيش الإيراني لن يغير أسس اللعبة ولا قواعدها، ولن تستطيع الآلة العسكرية الإيرانية ولا جموع المستشارين العسكريين من تحريف الأمور أوإعادة عقارب الساعة للوراء، بل أن حسابات الستراتيجية ستفرض على الإيرانيين إحتمالين لا ثالث لهما، وهما إما إرسال المزيد من القوات وهوكما يعني تحول سورية لبلد محتل عسكريا بشكل رسمي، أوإنسحاب كامل سيكون عنوانا لهزيمة مدوية سترتد نتائجها على الوضع الداخلي الإيراني!
الخسائر الإيرانية ستزداد حتما، والإستنزاف سيأخذ أبعادا خطرة، والأهم من كل شيء هو أن وجود الجيش الإيراني بالقرب من شواطئ المتوسط قد يعزز من إحتمال إندلاع صراع إقليمي متفجر ليس في صالح شعوب المنطقة، ولا يخدم أبدا فرص تعزيز الأمن والسلام وبناء علاقات مستقبلية سليمة تخلو من عقد الأحقاد والثأر!
النظام السوري لن يكسب المعركة مهما قدم له حلفاؤه من دعم جوي أوبري أوسياسي، فالحتمية التاريخية في إنتصار الشعوب المظلومة ستفرض رؤيتها في نهاية الأمر، وزيادة تدفق الجيوش الإيرانية في العمق السوري مغامرة خطرة ستكون نتائجها وبالا مالم يتم تدارك الموقف. الشرق يقف اليوم في مواجهة إحتمالات إنفجار إقليمي كبير باتت كل الأطراف مهددة بشظاياه المتطايرة، النظام الإيراني يلعب اليوم بتيارات صاعقة وهويقاتل في العمق السوري معركة خاسرة بشكل أكيد، فهل يكون للحكمة والعقل نصيب في التخطيط الستراتيجي؟ ذلك ما نتأمله ونتمناه…!
رغم أننا على ثقة كاملة أن الإيرانيين ذاهبون بلارجعة لسيناريوكارثي سيرتد عليهم وبالا في العمق الإيراني، لن يفلتوا من العواقب ورب الكعبة… وسنرى وترون.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة