بالصور.. "العين" في عالم الخطاطات ودفء حروفهن
زيارة خاصة لمعرض "نون" في ملتقى الشارقة للخط
في معرض "نون" للخطاطات في ملتقى الشارقة للخط، نشهد ميلاد إبداعات نسوية وجدت لها فسحة لعرض مخطوطاتهن
كانت الخطاطة تاريخيا مهنة وحرفة وفنا حكراً على الرجال دون سواهم، وما سمعناه من أسماء نسائية سطرت حروفهن على شطور الخط نادرة وقليلة، من أمثالهن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص وكريمة بنت المقداد وحفصة بنت عمر بن الخطاب وهند بنت أبي سفيان.
هنا في معرض "نون" للخطاطات في ملتقى الشارقة للخط، نشهد ميلاد إبداعات نسوية وجدت لها فسحة لعرض مخطوطاتهن، حيث يركز المعرض الذي افتتح الثلاثاء 12 أبريل على الخطاطات من خلال تخصيص جائزة لأفضل عمل نسائي تنافس عليها 19 مشاركة بواقع 30 عملاً فنيًا.
المعرض الذي جاء تحت عنوان "نون" استوحي اسمه من الآية الكريمة "ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ" وارتباط دلالة الحرف "ن" بنون النسوة، ليؤطر الاسم مفهوم الإبداعات النسوية في الخط. وقد تم اختيار عمادة شؤون الطالبات في جامعة الشارقة لمنح فرصة للفتيات الجامعيات للتعرف عن قرب على هذا النوع من الفنون، ولربما يثير فضول إحداهن فتلج إلى عالم الخط.
التنوع الثقافي والفني كان سمة مميزة في "نون" فكما لا توجد امرأتان متشابهتان، انعكس هذا على الأعمال، فلم تقتصر العارضات على انتمائهن إلى البلادن العربية وحسب، بل حضرت نساء من مختلف الثقافات والأعراق، كذلك تنوعت المدارس الفنية ما بين الأصيل المتمثل في كلاسيكيات الخط من ثلث ونسخ ورقعة وكوفي.. وصولا للحروفية التي يمتزج فيها التشكيل مع الحرف، مرورا بالأعمال النحتية والتركيبية، حيث خرج الحرف من بعده المسطح متحركا إلى فضاء البعد الثالث، معرجة على المفاهيمية ومدارس ما بعد الحداثة من خلال حضور عمل تفاعلي بعنوان "سراب".
معرض "نون" لم يسع مطلقاً إلى فصل النساء عن الرجال، يؤكد البروفيسور إياد الحسيني، القيّم الفني للملتقى لـ"العين"، مشيراً إلى "وجود أعمال نسائية كثيرة في المعرض العام للملتقى، وتقاطع الأعمال في مختلف المعارض الـ 44 المقامة ضمن برنامج الحدث الضخم، لكن الهدف من هذا المعرض أن تأخذ الخطاطات النساء حقهن في الحصول على الجوائز ما يفتح باب المنافسة والتشجيع ويسهم في رفد دماء جديدة في مجال الخط، ففن الخط من الفنون التي تصعب على المرأة لأسباب كثيرة، منها ما هو فسيولوجي ومنها ما هو حياتي، حيث يتطلب الخط تفرغا تامّا من أجل التمرين والتواصل المستمر على الخطاطة وهو ما يصعب على النساء لطبيعة حياتهن ومسؤوليتهن الجسام، حتى إذ عندنا تاريخيا نجد أن نسبة الخطاطات الإناث إلى الذكور محدود للغاية وعددهن قليل".
وتعد الدورة الحالية من ملتقى الشارقة للخط فرصة حقيقية للخطاطات، فالتجمع النسوي للفنانات الخط في هذا الحدث غير مسبوق، وهو ما يفتح لهن الباب لولوج هذا الفن والمشاركة فيه على نطاق عالمي، ويوضح الحسيني أن "الشارقة وفرت مناخاً حقيقياً للإبداعات النسوية في مجال الخط لم يسبق له مثيل، فلو استعرضنا تاريخ الخط العربي منذ قيام الدولة العثماني إلى الآن لن نجد هذا الاهتمام بمسألة إيلاج الخطاطات في ميادين الخط كما يحدث في الشارقة الآن، فالأمر ليس مقتصرا على الملتقى وحسب حيث توفر الشارقة ساحات وبيوت خطاطين معنية بتعليم أصول الخط كفن على مدار العام من خلال دورات معتمدة على أيدي مختصين ومحترفين، وهو ما يغرس نبتًا سرعان ما يينع ثمره".
كل فن من الفنون يتطلب ملَكات خاصة على المستوى القدرات الجسدية والعقلية بالإضافة إلى التمارين والممارسة، وفن الخط من الفنون الصعبة التي تحتاج كثيرا من الممارسة والتدرب، على عكس فن الزخرفة الذي يحتاج إلى ذوق رفيع، وهو ما يتمتعن به النساء، لهذا نجد أن السيدات برعن في الزخرفة بشكل أكبر من الخط، وعلى هذا الأساس نشهد قلة كبيرة في حضور الخطاطات، لكن الآن مع ما توفره الشارقة من معارض على مستوى عالمي ومدارس وبيوت خط سنشهد إقبالا كثيرا من النساء على هذا الفن لتسقط نظرية أن "الخط حكر على الرجال" تماماً كما الخطاطة الشابة نهى المنصوري التي أصقلت موهبتها من خلال متابعة هوايتها المتمثلة في الخط في بيوت الخطاطين بالشارقة، فكان ذلك بابًا لولوجها إلى مساحات العرض لتشارك اليوم في معرض على مستوى عالمي.
الخطاطة والفنانة إلينا المنصوري تقول لـ"العين" إن "الخط بدأ بالنسبة لي كهواية عززتها من خلال الدارسة المتخصصة في معهد الشارقة للخط، ومن خلال ممارسة تناهز الـ 10 سنوات الآن استطعت أن أقدم عملا متكاملا مكنني من العرض في ملتقى ضخم ومهم كملتقى الشارقة للخط، إن مسألة الخط أمر جد عسير على المرأة لما يتطلبه من قوة جسدية وعضلية وعصبية، والحقيقة أن الرجال أمهر في هذا الفن لهذا السبب، لكن لا يوجد مستحيل، فبالتمرس والمزاولة يمكن تدارك هذه الأمر، ويظل قياس مدى شغف الشخص بهذا الفن هو مفتاح الوصول أو الاستسلام".
لقد استطاعت فنانات هذا المعرض أن تبرزن قدرتهن العالية في صياغة أعمال حملت من جماليات اللغة نفحة والخط نفحات، فكانت المعروضات وعاء للمعرفة والفن معاً، ووسيلة للتواصل الإنسان، حيث ارتبط "نون" ارتباطاً وثيقاً بمفهوم الملتقى العام المتمحور حول قيمة "نقطة".
aXA6IDMuMjM3LjE1LjE0NSA=
جزيرة ام اند امز