هل تصبح مصر من الدول المصدرة للنفط؟
الحكومة المصرية تتجه الى مراجعة منابع النفط لديها للبدء في خطة جديدة للتنقيب عنه والاستفادة القصوى بعد أزمات عصفت بقطاع السياحة
يبدو أن مصر تحاول المضي قدما في بداية اقتصادية جديدة من حيث تنتهي الدول العربية المجاورة ، ففي الوقت التي أعلنت فيه الإمارات والسعودية تحررهما من الاعتماد على تصدير النفط كأهم مصدر اقتصادي، ووضع سياسات جديدة لتحقيق اقتصاد شامل ومستدام ، تتجه الحكومة المصرية إلى مراجعة منابع النفط لديها للبدء في خطة جديدة للتنقيب عنه والاستفادة القصوى منه بعد أزمات عصفت بقطاعي السياحة والصناعة أثرت بدورها على الاقتصاد القومي وتدني العملة المصرية.
الأمر بدى واضحا من خلال حديث رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي عن أهمية إعادة ترسيم الحدود مع المملكة السعودية بخليج العقبة لإتاحة الفرصة لمصر للتنقيب في مياهها الإقليمية بالبحر الأحمر ، مستشهدا بأهمية إعادة الترسيم مع قبرص في البحر المتوسط شمال وهو ما تسبب بدوره في اكتشاف حقل بترول "ظهر".
الشاهد الثاني الذي يؤيد هذا التوجه ، طرح مصر لـ 3 مزايدات عالمية خلال العام الجاري للكشف عن البترول في 27 منطقة برية وبحرية بمصر، مع تأكيد المهندس طارق قابيل وزير البترول على أن مصر ملتزمة بالاستمرار في العمل على تحسين مناخ الاستثمار، خاصةً مجال الصناعات البترولية، لإعطاء الفرصة للشركات العالمية للدخول والتعاون مع شركات البترول المصرية، الأمر الذي سيؤدي لدفع عملية التنمية الاقتصادية بشكل كبي ، وقال إن مصر لديها جميع المقومات لكي تقوم بدور محوري ومهم في مجال الطاقة إقليميًا، مشيرا إلى أن الوزارة تسعى لأن تكون مصر مركزا استراتيجيا لتجارة الغاز الطبيعي بالمنطقة.
ثالثا الشواهد على الاتجاه المصري نحو الاعتماد على النفط هو هذا الاهتمام الحكومي والإعلامي باكتشاف شركة إيني لحقل بترول "ظُهر" وتذليل كافة العقبات أمام الشركة لمواصلة مجهوداتها في البحر المتوسط والتعويل على تلك الحقول النفطية في دفع عجلة الاستثمار في مجال الطاقة بمصر، كما يرد على لسان مسؤولي الاقتصاد في مصر.
الشركة الإيطالية "إيني" بدورها لم تخيب ظن المصريين وبدأت في تطبيق استراتيجية جديدة لتنمية حقل "ظهر" بالتعاون مع وزارة البترول المصرية وبدء الإنتاج المبكر من الكشف في نهاية عام 2017 من خلال 6 آبار، بالإضافة للوصول إلى 10 مليون متر مكعب إنتاجية من الغاز يوميا، وذلك من خلال 4 آبار فققط بحقل نورس الواقع بمنطقة امتياز الشركة بدلتا النيل غرب أبوماضى ، بحسب تصريحات لـ" لوكا بيرتيلى" رئيس أنشطة الاستكشاف بالشركة.
يذكر أن "مرحلة ما بعد النفط".. هي ما اختارته السعودية عنوانا لمستقبل اقتصادي متنوع استثماريا لا يتوقف عند مورد وحيد لتبدأ المملكة مرحلة أكثر حيوية ومرونة، خاصة بعد البدء في تشكيل مجالس تنسيقية خلال الأشهر الفائتة مع كل من مصر وتركيا والأردن لاقتناص الفرص الاستثمارية في هذه الدول وزيادة التبادل التجاري معها ، لتفتح بذلك آفاق تنويع الاقتصاد لتقليل الاعتماد على النفط وفق الرؤية المستحدثة للملكة.
على الجانب الآخر من شبه الجزيرة العربية بدأت دبي أيضا في تنويع مصادرها الاقتصادية بعيدا عن النفط الذي تدنى سعره في الأسواق العالمية مؤخرا ، ووفقا لهذه الرؤية أعلنت دولة الإمارات أنها ستحتفل بـ”تصدير آخر برميل من النفط، والبدء بوضع برنامج وطني شامل لتحقيق اقتصاد مستدام للأجيال القادمة.
والسؤال الذي يفرض نفسه الآن.. على الرغم من انخفاض أسعار النفط عالميا واتجاه الدول المصدرة للنفط لتنويع مصادرها ، هل ستنجح مصر في هذا التحدي الجديد ، وهل تملك مصر المقومات التي تمكنها من سد احتياجاتها النفطية ومن ثم الاتجاه نحو التصدير يوما ما.
خبير الطاقة أحمد عبد الغفار ، عضو شعبة المواد البترولية بالغرف التجارية المصرية قال لبوابة "العين" الإخبارية إن اتجاه مصر للاستثمار في الطاقة البترولية خلال هذه المرحلة في مصر من أهم خطوات الحكومة في اتجاه تصحيح الوضع المالي للدولة ، لأن ذلك وإن كان لا يستطيع إدخال العملة الصعبة التي تجبر نقص السياحة وتذبذب ايرادات القناة ، فعلى الأقل سيوفر العملة الصعبة المستخدمة في استيراد المواد البترولية من الخارج.
وأضاف عبد الغفار أن انخفاض أسعار النفط بالسوق العالمية في تلك الآونة مؤشر إيجابي لمصر لأنها من الدول المستوردة ، بينما المتضرر منه الدول المصدرة للنفط ، ومع نمو الاستثمار في هذا المجال ودخول مصر ضمن الفئة المصدرة – بعد تحقيق اكتفاء ذاتي – وقتها قد تتغير الحسابات وتعود أسعار النفط الى سابق عهدها.
وأشاد خبير الطاقة بخطة وزارة البترول المصري مشيرا إلى تصريح الوزير طارق الملا بتحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد البترولية في عام 2017 ، وهو أمر غاية في الإمكان خاصة بعد الكشف البترولي العظيم "ظهر" بالبحر الأبيض المتوسط.
وقال إن ما ترنو اليه مصر من الاكتفاء الذاتي واتجاهها للتصدير فيما بعد بدأت مؤشراته بانخفاض أسعار النفط وخفض فاتورة دعم الطاقة من 130 مليار جنيه إلى 97 مليار ثم إلى أقل من ذلك مما يعني توافر احتياطي من البترول ومشتقاته يوما بعد يوم لدى الدولة.
يذكر أن مصر تستضيف أكثر من 70 شركة بترول عالمية ومحلية من 23 دولة للمشاركة في أعمال المؤتمر والمعرض الدولي الثامن لدول البحر المتوسط «موك»، والذي يعقد بمكتبة الإسكندرية، تحت رعاية رئيس الوزراء، تحت شعار "الانطلاقة الأولى لاكتشاف كنوز الغاز والبترول بالبحر المتوسط".
ودأبت مصر على طرح مزايدات فيما قبل للتنقيب عن البترول، غير أنها كانت تفاجأ بعدم تقدم الشركات العالمية بسبب ضعف الامتيازات التي تقدمها الحكومة للشركات في هذا المجال ، إلا أن الأوضاع تغيرت وأصبح هناك نوع من الاجتذاب للشركات بعد أن عدلت في شروط التعاقد مع شركات استكشاف الغاز الطبيعي، والاتفاق معها على شراء كامل الإنتاج ، وذلك بحسب كلام المهندس مدحت يوسف نائب رئيس الهيئة العامة للبترول سابقا ورئيس شركتي ميدور وموبكو.
وأضاف "يوسف" في تصريحات لبوابة "العين" الإخبارية إن الحكومة تعاقدت مع شركات الاستكشاف على شراء الغاز الطبيعي في أماكن استكشافه بسعر 5.88 دولار غير عابئة بتغيرات الأسعار للنفط في السوق العالمية وهو نوع من الأمان للحكومة المصرية ، مستبعدا فكرة دخول مصر إلى عالم التصدير قائلا : عندما نصل لتأمين احتياجاتنا من الغاز الطبيعي سنستطيع القول إننا بالفعل أنجزنا.