أوباما في الرياض، زيارة وداع لسيد البيت الأبيض أم أنها عرض لموقفي الدولتين السعودية والأميركية من أزمات المنطقة العربية؟
أوباما في الرياض، زيارة وداع لسيد البيت الأبيض أم أنها عرض لموقفي الدولتين السعودية والأميركية من أزمات المنطقة العربية؟
ليس من خلاف حقاً ولكن ليس من تطابق تام، فالرياض تعي جيداً مسؤولياتها المتعاظمة لكونها المركز العربي شبه الوحيد في إقليم تعبث فيه أيدي الأصدقاء والخصوم والأعداء. واستناداً إلى هذين الوعي والمسؤولية فللسعودية أن تطلب من حليفها الأميركي المزيد من تقدير مركزيتها والتشاور في أي مبادرة أميركية معلنة أو مستترة تجاه المنطقة.
وليست العلاقة بين واشنطن والرياض مجرد ورقة يتبادلها المرشحون للرئاسة الأميركية مثلما يتبادلون أوراق الداخل كالضرائب، فالعلاقة محفورة في التاريخ الحديث للدولتين وفي مصالحهما الثابتة على مرّ العهود، ولا مجال لانقلاب جذري كما يروّج أعداء العرب في أميركا وأعداء أميركا في العالم العربي.
ثمة تقصير أميركي في التعامل مع الأزمات العربية، اعتذر أوباما عن بعضه (ليبيا) وربما يعتذر عن بعضه الآخر (سورية). لكن طبيعة الأطراف العربية المتصارعة تشجع أميركا وسائر الدول الكبرى على التقصير، بل على التنصُّل من واجبها تجاه السلام العالمي المتأثّر سلباً بما يحدث في بلادنا أكثر من تأثُّره بأي حدث آخر في العالم، كتمادي الصين سياسياً واقتصادياً ومحاولات اليسار البرازيلي دعم النضال ضد تبعية أميركا الجنوبية لواشنطن، وما بين الصين والبرازيل من تمرُّدات، أبرزها تململ أوروبا وانتفاضة روسيا لاستعادة دور فقدته منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.
من الجزائر الى العراق مروراً بليبيا ومصر وفلسطين وسورية والعراق، أزمات تتشابه في غموضها وتلتقي في انهيارات الدولة الحديثة تحت ضربات الديكتاتورية والفساد، وفي تشظّي المجتمعات الى تشكُّلاتها البدائية العشائرية والطائفية والجهوية. حروب كبيرة وحروب صغيرة متداخلة، بحيث يصعب على المراقب التركيز على مشكلة معينة أو بلد معين. ويصل الغموض إلى حدّ أن فريقاً سياسياً أو عسكرياً لا يعرف لمن يسلّم رايته إذا أراد الاستسلام. ثمة من ينهزمون يومياً لكنهم لا يعرفون هوية المنتصر بل حتى لا يرونه بأم العين.
ربما هو الفساد الذي يحوّل الأبطال الى أقزام، والعمارات الى خرائب، والمجتمعات الى بؤر توتُّر لا ينتهي، والتاريخ إلى لعنة تمنع لقاء الإخوة في البيت الواحد.
وإذا أراد أوباما المحافظة على المصالح الأميركية في المنطقة، وهو يريد ذلك بالضرورة، فلا أحد يزاحمه. حتى موسكو تطمح في الحدّ الأقصى الى الدفاع عن فتات مصالح في المنطقة يسلّم بها الأميركي لقاء خدمات تقدّمها، خصوصاً في إيران وسورية.
لكن أوباما، أو أي رئيس أميركي آخر، لا يُفصح حقاً عن طبيعة مصالح بلده التي تزداد غموضاً يوماً بعد يوم، وتتردّى أحياناً إلى مستوى صفقات سلاح من دون أي اتفاق استراتيجي يحفظ استقرار دول المنطقة ويمنع العبث بها من دول وأشباه دول تدعم حكمها المهتزّ بتصدير الثورات، ولا تعدم في ذلك الاتكاء على ذرائع إيديولوجية في ما يشبه بيع الأوهام.
واشنطن، في نظر أصدقائها المشكّكين بسياسات الرئيس أوباما، أشبه بدولة ترعى الفوضى ولا تريد الوصول الى نقطة استقرار يلتقي فيها المتصارعون راغبين أو مضطرين. ويذهب الشك إلى حد اتهام واشنطن بتحويل بلاد العرب الى ساحات حروب عبثية، فيما تنعقد أحلاف معلنة أو مستترة بين الثلاثي الإقليمي إيران وتركيا وإسرائيل وتحظى برضا واشنطن التي تدرك جيداً تفاصيل هذه الأحلاف القائمة على خنق الإقليم العربي.
أصدقاء أميركا المشكّكون بسياساتها يزدادون عدداً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة