القمم العديدة التي عقدت مؤخراً في منطقة الخليج، تؤكد قلقاً مشروعاً حيال مستقبل المنطقة، فالتحديات التي تواجه الخليج بالإجمال ليست هينة
القمم العديدة التي عقدت مؤخراً في منطقة الخليج، تؤكد قلقاً مشروعاً حيال مستقبل المنطقة، فالتحديات التي تواجه الخليج بالإجمال ليست هينة، ومخطئ من يراهن على ترك ذلك للمستقبل من دون رؤية واضحة، ويبدو أن قادة دول مجلس التعاون الخليجي بدأوا يستشعرون خطورة الأوضاع الحالية ورغبة بعض القوى الإقليمية والدولية في إحداث اختراق جدي وحقيقي يمهد لزعزعة واستقرار المنطقة بأكملها.
منذ سنوات قليلة بدأ الخطاب الأمريكي تحديداً حيال الخليج يتغير شيئاً فشيئاً، إضافة إلى ذلك الوضع المحتقن في المنطقة، مع استمرار إيران في دعم الجماعات المعارضة لأنظمة دول مجلس التعاون الخليجي، ومؤخراً زادت إيران من وتيرة سياستها الهادفة إلى إحداث إرباك في المحيط الخليجي عندما مدت تعاونها متجاوزة جيرانها، مثل العراق وسوريا ولبنان، ليطال اليمن من خلال دعم جماعة الحوثي التي شكلت ولا تزال، شوكة في الجسد الخليجي، قبل أن تتخذ دول مجلس التعاون قراراً في مواجهتها بدعم شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي بعد الانقلاب عليه من قبل الجماعة في شهر سبتمبر/أيلول من العام 2014.
لا يعني أن ما يحدث اليوم كان متوقعاً، حتى من أقرب حلفاء دول مجلس التعاون، ونقصد بها الولايات المتحدة الأمريكية، التي بدأ خطابها يتغير تدريجياً، لكننا بدأنا نرى سلوكاً أمريكياً مختلفاً ونقرأ تصريحات مثيرة للجدل أدلى بها الرئيس باراك أوباما قبل أشهر من تركه البيت الأبيض، وهي تصريحات تدل على أن السياسة الأمريكية حيال المنطقة آخذة في التغير تاركة عقوداً من التعاون بينها ودول المنطقة.
وفي كل الأحوال فإن على دول الخليج البحث عن وسائل وطرق أخرى لتنجو بنفسها من زلزال التطورات العاصفة التي يشهدها محيطها، وحسناً فعلت عندما أمنت حدودها الجنوبية بوضع حد للمغامرات الحوثية، التي كانت تهدف إلى اختراق الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية وإحداث تصدع في هذه الجبهة.
اليوم تجد دول الخليج نفسها أمام تحديات كبيرة، لكنها تحديات تفرض عليها مزيداً من التفكير في مآلات المستقبل، ذلك أن الاعتماد على التحالفات مع الدول الكبرى، وإن كانت ضرورية في بعض الحالات، لا يعني أن تستمر إلى ما لانهاية ولا يمنع من حصول مراجعات وتقييمات لمدى جدواها من عدمه.
الأمر ليس قطيعة مع العالم، بقدر ما هو إعمال للعقل في تشكيل مشهد يكون قادراً على التعاطي مع المستجدات من دون ابتزاز، كما هو حاصل اليوم، وتحركات دول التعاون الأخيرة دليل على أنها بدأت تدرك خطورة الاعتماد على طرف أو أطراف لديها الاستعداد للتخلي عنها في أي وقت تراه.
التفكير الجديد للجيل الشاب في دول الخليج يختلف اليوم، بحكم إيقاع الأحداث المتسارعة في المنطقة، فهو يتعاطى مع الأحداث من زاوية المصالح والتحالفات التي تحقق مزيداً من الاستقرار وعدم وضع البيض في سلة واحدة، والبدء في البحث عن مصادر لتقوية النسيج الاجتماعي لدول مجلس التعاون ليبقى خليجاً متحداً وعدم ترك ذلك للتحالفات القديمة لتفعل فعلها في جغرافية المنطقة مستقبلاً.
نقلًا عن صحيفة الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة