تشكيليات سعوديات يتحدثن لـ"العين" عن الخطوط الحمراء في الرسم
لقاء على هامش معرض "جماليات عربية" بدبي
ماذا ربحت من الفن.. وماذا خسرت، وهل لديك خطوط حمراء في الرسم"؟ أسئلة طرحتها "العين" على تشكيليات سعوديات شاركن في "جماليات عربية".
ماذا ربحت من الفن.. وماذا خسرت بسببه، وهل لديك خطوط حمراء في الرسم؟ أسئلة طرحتها "بوابة العين" على تشكيليات سعوديات شاركن في معرض "جماليات عربية" والذي أقيم في صالة "آرت غاليري بلاس" بدبي، وافتتحته الشيخة هند القاسمي بحضور القنصل السعودي، وشهد المعرض حضور شخصيات ثقافية وفنية ودبلوماسية، نرصد هنا بعض تجارب المشاركات، وأهم التحديات التي تعترضهن أمام إشكالية عدم وجود متذوق عربي حقيقي لفن الرسم والتشكيل، ويكشف التحقيق عن معاييرهن في تقييم لوحاتهن مادياً ومعنوياً، كما نتعرف إلى محاذير فنية وخطوط حمراء يضعن لها ألف حساب قبل تنفيذ أفكارهن.
ربح وخسارة
"أهم ما ربحته من فني خلال 12 عامًا، هو متعة العطاء وحرية التعبير وتقدير جمهوري وثقة النقاد إضافة إلى بعض المال، بينما خسرت راحتي ووقتي وعلاقاتي بمحيطي، لكنني بالنهاية نجحت في إيصال أفكاري للناس، وقدمت تجربة مشرفة لكل امرأة سعودية".. هكذا كانت البداية مع الفنان التشكيلية السعودية، رهيفة حسن بوصفر التي أجابت عن ما إذا كان يمكن التعاطي مع الفن بحساب الربح والخسارة.
بوصفر تعي جيدا تجربتها الفنية، وتقدر جهدها المبذول في عملها الفني؛ سألناها: ما المعيار الذي على أساسه تحدد سعرا للوحاتها المعروضة؟ تقول بثقة: "أضع السعر بحسب قوة الفكرة وحجم اللوحة والجهد المبذول، فضلاً عن عمري الفني في الساحة".
يغلب على أعمال رهيفة بوصفر الميل إلى "الواقعية" و"التجريدية"، تقول: أرسم بأسلوب عفوي وطفولي لمخاطبة أحاسيس الطفل الموجود في داخل كل شخص.
شهرة ومصدر رزق
الرسم يفتح أبواب المجد والثراء أمام الفنانين في الغرب بينما في وطننا العربي فإنه لا "يؤكل عيشاً" فما بين وضعية الفنان في الغرب ووضعيته في العالم العربي ثمة اختلافات كبيرة.. هنا تقول سلمى الشيخ تشكيلية وحرفية سعودية إن "الفن مكلف للغاية، فقد خسرت الكثير مادياً، لهذا لا أعتمد نهائياً على الفن كمصدر رزق، فهو مجرد هواية محببة وفسحة للإبداع لتفريغ طاقاتي، ونقل أفكاري إلى المجتمع". تدرك الشيخ أن وضعية الفن هنا ليست الوسيلة المثلى للارتزاق والتكسب، ولكنها في الوقت ذاته تؤكد "لا أنكر أنني ربحت معنوياً إثبات الذات، والاحتفاء والتقدير والشهرة، معتبرةً أن التعرف إلى فنانين من ثقافات مختلفة بمثابة كنز، وتتمنى أن يكون هناك جمهوراً خليجياً يتذوق فن التشكيل أكثر ويقدره تماماً مثلما يفعل المتذوق في الغرب.
تقول الشيخ "يكفي أن أرى متذوقاً واحداً يقف متأملاً أمام لوحتي، حتى لو لم يقتنيها تكفي نظرة أو كلمة تعبر عن إعجابه ربما تعني لي الكثير. وتحرص أن تضع أسعاراً معقولة على لوحاتها تشجيعاً لاقتنائها"، وتستدرك: إن "أغلى لوحة بعتها بـ 7 ألف ريال سعودي، فقد استغرق إنجازها وقتاً طويلاً".
حلم العالمية
لا تقتصر أحلام الاشتغال بالرسم على الكسب المادي والمعنوي فقط، فهناك طموح أكبر لتجاوز آفاق المحلية إلى العالمية عبر الريشة واللون، هذا ما أكدته ثريا يحيى ناجي؛ الفنانة التشكيلية السعودية، عضوة لجنة الثقافة والفنون؛ تقول "أطمح إلى الوصول إلى العالمية وأدرك جيداً أن حلمي يمكن تحقيقه بالمثابرة، لذلك أبذل كل ما أستطيعه لإيصال فني إلى شعوب دول مختلفة"، وتضيف: "أتمتع بموهبة في رأي النقاد والجمهور، كما أنني أعتبر أسرع فنانة سعودية بإنجاز اللوحة، وقد تأثرت بأعمال التشكيلي والنحات الإسباني بيكاسو وبرعت في رسم لوحات تنتمي إلى المدرسة التكعيبية، اقتبست من أفكاره وتقنيات لوحاته".
أكثر ما يميز لوحاتها ويمنحها ثقة بلوغ العالمية يكمن "في توزيع الظلال والألوان والتوازن وجمال المفردات، وعمق الفكرة"، وتضيف "تأتيني الفكرة فجأةً عندما أرسم وليس العكس، والرسم عندي هو هواية ومصدر رزق معاً، وأبيع لوحاتي لمن يقدر قيمتها ويمنحها اهتمامه ويحافظ عليها".
محرمات ومحاذير
الرسم مثل أي فن آخر له خطوط حمراء يمنع تجاوزها، عن ذلك تقول رجاء الشافعي تشكيلية سعودية "أمضيت 18 عاماً ممسكة بريشتي، وليس لديّ أي محرمات أو محاذير عندما أرسم، لكنني لا أرسم ما يثير اشمئزاز الناس أو يستفز حواسهم ويتعدى على عاداتهم وتقاليدهم، وأحرص أن تكون لوحاتي رسالة محبة وسلام ودعوة للتأمل والتذوق".. وتضيف "ما يميز أعمالي كفنانة هو أنني بارعة في التكنيك وخلط الألوان بشهادة النقاد، وأستقبل دائما نقدهم بوعي، وأسعى جاهدة لتطوير أدوات فني، محاولة أن ترك بصمة فنية تخصني".
هموم وقضايا المرأة حاضرة لا تغيب في الفن، فكيف تتعامل التشكيلية مع قضايا النساء، تقول عصمت المهندس تشكيلية سعودية ومديرة مركز "ألوان غاليري"، "شاركت بلوحة أسمتها "شموخ" رسمت فيها امرأة بزيّ تراثي في مشهد تهيمن عليه مظاهر التكنولوجيا والحداثة، اخترت قطعة من أجهزة اللابتوب، زينت بها امرأة لابسة زيّا تراثيا، لتجسد شموخ التراث على الحداثة، وهي دلالة على أن المرأة تظل شامخة بتراثها وأصالتها رغم ما يحيط به من معالم الحداثة وبريقها".
تخليد الفن
كثيرات ركبن أمواج الفن لكنهن سرعان ما غرقن في النسيان، فلم تنقذهن موهبتهن ولم يتذكرهن أي أحد، فهل هناك معايير حقيقية لبقاء فنهن على قيد الإبداع، وتخليد أسمائهن وأعمالهن في وجدان الناس، تجيب عصمت موضحة "هنالك معايير فنية تغفلها كثير من الفنانات مدعيات الفن، تبدأ بخط سيرهن في الرسم، ومدى تقبل الناس لأعمالهن، ومدى قدرتهن على التكنيك، فضلاً عن ثقافتهن اللونية، لكنني أنصحهن عدم سماع عبارات المديح التي تعزف على أوتار غرورهن، وتحثهم على الدراسة وتطوير الذات، وحضور معارض لاكتساب خبرات وتجارب".
أفكار جريئة
عن أجواء معرض "جماليات عربية" يقول ياسر الفرا مدير صالة "آرت غاليري بلاس" هو تظاهرة فنية خليجية وعربية تهدف إلى تقريب الجمهور المحلي في الإمارات من الحركة التشكيلية العربية والسعودية، وإبراز إبداعات الشباب لاسيما المرأة السعودية التي تشارك بقوة في هذا المعرض، وقد تنوعت أعمال المشاركات بين مدارس وتيارات فنية جمعت بين الأصالة والحداثة، وتناولت موضوعات مهمة في حياة المرأة، ولامست هموم مجتمعها، كما ركزت بعض الأعمال على التراث والعادات والتقاليد وأفكار جريئة معاصرة.
وتخلل المعرض أمسية شعرية أحياها الشاعر السعودي مصعب السحيباني لتكتمل روعة المشهد الذي سطر ذائقة الحضور بنغم الكلام وبدائع اللون وجمالياته، نقطف من أبياته التي شدا بها:
لا ليسَ لي عنكِ يا زينَ النساءِ غِنا ... وليسَ للعينِ شيءٌ بعدكم حسنا..
أنا فديتكِ أنتِ يا معذّبتي ... وأنتِ يا زينَ أحلام المساءِ أنا
وإنْ سألتِ مكاني أينَ موضعه.. أشرتُ مُبتسماً نحو الفؤادِ: هنا.