"الصعلكة في الشعر العربي الحديث".. مرويات القصيدة والتمرد
بين شعراء الصعاليك في الجاهلية و"الصعلكة" في الشعر الحديث روابط وصلات تكشف عنها الدراسة الصادرة أخيرًا عن قصور الثقافة بالقاهرة
من نموذج الفرد المتمرد على مواضعات القبيلة في تاريخ العرب القديم إلى الذات المغتربة القلقة في واقعها الحديث، قطع الشعر العربي رحلة طويلة منذ عصوره الجاهلية وأوليات القول الشعري وحتى قصيدة التفعيلة والسطر الشعري، وما بين شعراء الصعاليك في الجاهلية و"الصعلكة" في الشعر الحديث روابط وصلات تكشف عنها الدراسة الصادرة أخيرًا بعنوان "الصعلكة في الشعر العربي الحديث: تحولات النص والمفهوم"، من تأليف الدكتور محمد عليم أستاذ الأدب العربي في الجامعة العربية المفتوحة.
الكتاب يقع في جزأين، وصدر عن سلسلة (كتابات نقدية)، الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة، وتبحث الدراسة في مظاهر تحولات النص والمفهوم في شعر الصعاليك بين القديم والحديث، لم تكن دراسة خالصة في تاريخ الأدب، ولا بحثًا خالصًا في السياقات النصية المقارنة بين زمنين، وإنما هي بين الحقلين، وفق ما اقتضته محطات البحث، لتكون كلا متناغمًا في الوقفات التطبيقية منها.
وتقع الدراسة في 4 أبواب، كل باب يضم 3 فصول، خصص الباب الأول للأفق التراثي، لبحث "الصعلكة والصعاليك" في ضوء المستقر في الدراسات السابقة، وما يمكن تنميته من قراءة ثانية لنصوص الصعاليك الجاهليين، وبحث جدلية العلاقة بين القبيلة بوصفها سلطة جماعية، والشاعر الصعلوك بوصفه ذاتًا فردًا لم ينسجم وهذه السلطة الضاغطة، وقرئ نص الصعلوك القديم بما يكشف عن مفارقته النمط الفني المعاصر له.
الباب الثاني بحث الأفق الحديث، فقارب الدولة الحديثة بالقبيلة القديمة، وبحث حدود التمرد لدى عدد من شعراء العصر الحديث، مع الانتباه إلى ضرورة التمييز بين الشاعر المتمرد والشاعر الصعلوك ذي الرؤية الوجودية العميقة من خلال شواهد مختارة على الفرق بين النوعين.
وجاء الباب الثالث ليبحث أمل دنقل الصعلوك، توقف أمام إضاءات السيرة، وبحث آلية الخروج الكاشف لديه، مقارنا بنظيره القديم، ووقف على طبيعة الخروجين، وآفاق "تشكيل الواقع" لدى أمل دنقل في ضوء عدد من المفاهيم الوجودية الأساسية.
خصص الباب الرابع لبحث (التحولات)، فبحث تحولات مفهوم الصعلكة والصعاليك بين القديم والشائع في الحديث، وكذا تحولات النص من حيث الهيكل، والتشكيل الداخلي، والتناص، والمشهدية، ثم الإيقاع بمفهومه الأوسع، وختم بقراءة نص "مراثي اليمامة"، فجمع شتات التحولات في إطار من مقاربة المنهجية اللسانية النصية في التأويل.
وحاول الباحث في دراسته المقاربة بين حاجتين، الأولى: إعادة النظر في مفهوم تاريخ الأدب، من حيث جدوى مردودة على الدراسات النقدية سلبًا أو إيجابًا، والثانية: مدى ما يمكن أن تثمره الدراسة النقدية المنضبطة من إضاءات تثري تاريخ الأدب بدلالته الأوسع، وهذه المقاربة هي من الأهداف الودودة التي رأى الكاتب أن تلامسها الدراسة نظرًا لتداخل الحقلين معًا في سياق منهجية المقارنة في بحث تحولات نص الصعاليك بين القديم والحديث.
تجدر الإشارة إلى أن هذا الكتاب هو في الأصل رسالة دكتوراه تقدم بها صاحبها إلى قسم البلاغة والنقد الأدبي والأدب المقارن في كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، بعنوان (تطور ظاهرة التمرد في الشعر العربي الحديث – تحولات النص والمفهوم بين الشعراء الصعاليك وأمل دنقل)، أشرف عليها الدكتور حسن طبل والدكتور السعيد الباز، وناقشها الأستاذان الدكتور محمد عبد المطلب أستاذ البلاغة والنقد بكلية الآداب جامعة عين شمس، والدكتور عبد المطلب زيد أستاذ البلاغة والنقد بكلية دار العلوم جامعة القاهرة.