أخيًرا أُعلن في لندن أن تقرير لجنة التحقيق في حرب العراق سيصدر، بعد التأجيل والتأخير اللذين أثارا الجدل والتساؤلات.
أخيًرا أُعلن في لندن أن تقرير لجنة التحقيق في حرب العراق سيصدر في السادس من يوليو (تموز) المقبل، بعد التأجيل والتأخير اللذين أثارا الجدل والتساؤلات.
عندما يصدر التقرير تكون قد مرت سبع سنوات منذ أن أعلن رئيس الوزراء البريطاني السابق غوردن براون تشكيل اللجنة برئاسة سير جون شيلكوت للنظر في ملابسات غزو العراق، ودور بريطانيا في الفترة الممتدة من صيف عام 2001 ،أي قبيل هجمات سبتمبر (أيلول) على أميركا، وحتى 2009 ،وهو العام الذي أكملت فيه بريطانيا سحب قواتها من العراق.
التقرير الذي استغرق فترة أطول من حرب العراق ذاتها، يبلغ عدد كلماته أكثر من مليوني ونصف المليون كلمة، مما سيجعل قراءته والغوص في كل تفاصيله تحدًيا جدًيا.
عندما بدأت المهمة كانت التوقعات أن ينجز التقرير في عام واحد، لكن حجم الاستدعاءات والشهادات استغرق وقًتا طويلاً، مثلما أن الحصول على كل الوثائق ذات الصلة لم يكن مهمة سهلة أو سريعة.
وقد واجهت اللجنة عقبات واعتراضات فيما يتعلق بنشر بعض الوثائق خصوًصا تلك المتعلقة بنصوص مكالمات جرت بين رئيس الوزراء السابق توني بلير والرئيس الأميركي السابق جورج بوش، في الفترة التي سبقت قرار الغزو.
لكن لجنة التحقيق أعلنت هذا الأسبوع أن التقريرعندماُ ينشر لن تكون هناك فقرات كثيرة فيه محجوبة عن القراءة.
التقرير في كل الأحوال ربما لا يعني الكثير بالنسبة للعراقيين بعد كل هذه السنوات على الحرب، وبعد المصائب التي تلاحقت على البلد، وفائدته الأساسية قد تكون في إلقاء الضوء على بعض الجوانب أو «الحقائق» المتعلقة بفترة اتخاذ قرار الغزو وما تلاها من أحداث. فمهمة اللجنة حددت في النظر في دور بريطانيا في الحرب «بهدف استقاء الدروس والتعلم منها». والتقرير لن يوجه إدانات «قضائية» أو اتهامات «قانونية»، بل سيكتفي بالإشارة إلى الأخطاء وبتوجيه الانتقادات حيثما استلزم الأمر.
بلير باعتباره الشخصية المحورية في قرار مشاركة بريطانيا في الحرب، رفض عدة فرص أتيحت له للاعتذار عن غزو العراق، بل دافع بشدة عن القرار.
وكان أقصى ما ذهب إليه هو اعتذاره في مقابلة مع شبكة «سي إن إن» التلفزيونية الأميركية العام الماضي «عن أن المعلومات التي تلقيناها كانت خاطئة»، قبل غزو العراق.
تحت ضغط الأسئلة المتلاحقة قال بلير أيًضا إنه يعتذر «عن بعض الأخطاء في التخطيط، وبالتأكيد الخطأ في تقديرنا لما سيحدث بعد إزاحة صدام».
على الرغم من أن بلير أقّر بشيء من المسؤولية، لأن الحرب في العراق أدت إلى صعود «داعش»، فإنه بقي على موقفه في رفض الاعتذار عن قرار الغزو، وما نتج عنه من فوضى ودمار للعراق، وما تسبب فيه من ضحايا ومعاناة.
هناك كثيرون في بريطانيا لا يكتفون بطلب الاعتذار من بلير بل يتهمونه بتضليل البرلمان في قرار الحرب ويطالبون بمحاكمته، ومن هؤلاء جيريمي كوربين الزعيم الحالي لحزب العمال الذي ينتمي إليه بلير وقاده لسنوات كثيرة.
السياسيون، كما الدول، كثيًرا ما يجدون صعوبة في الاعتذار كما يبدو، وذلك لما قد ينجم عنه من تبعات سياسية، أو قانونية أحياًنا، أو لأنهم يقرأون الأحداث بصورة تبرر القرارات موضع الجدل والسؤال. التاريخ فيه بالطبع نماذج لاعتذاراتُقدمت من قادة أو دول بسبب أخطاء أو ممارسات ارُتكبت، لكن في المقابل هناك نماذج أكثر لحالات رفض الاعتذار.
في منتصف الأسبوع الحالي، أُعلن أن الرئيس الأميركي باراك أوباما سيقوم خلال زيارته لليابان في يوليو المقبل بزيارة مدينة هيروشيما التيُدمرت في عام 1945 بأول قنبلة ذريةُتستخدم في الحروب، مما أدى لمقتل 140 ألف شخص، ودفع اليابان للاستسلام مباشرة بعد الهجوم التالي الذي استهدف ناغازاكي بقنبلة ذرية أخرى. الإعلان عن الزيارة أطلق سيلاً من الأسئلة والتكهنات عما إذا كان أوباما سيعتذر لليابان.
إلا أن البيت الأبيض سارع إلى التأكيد أن أوباما لن يعتذر، ولن يتطرق خلال الزيارة إلى قرار استخدام القنبلة الذرية في نهاية الحرب العالمية الثانية، معتبرا أن الزيارة في حّد ذاتها «تشكل فرصة لتكريم ذكرى كل الأبرياء الذين ماتوا في الحرب».
أما سبب رفض الاعتذار، فيتضح فيما ورد على لسان بن رودس، المستشار الإعلامي لأوباما الذي قال: «إن الولايات المتحدة ستبقى فخورة إلى الأبد بقادتها المدنيين وبرجال ونساء قواتها المسلحة، الذين خدموا خلال الحرب العالمية الثانية».
أميركا وفقا لهذا الكلام، لا تريد تخطئة قرار رئيسها في تلك الفترة، هاري ترومان، كما أنها لا تريد انتقاد قواتها المسلحة أو دوافع استخدام القنبلة الذرية.
زيارة أوباما لهيروشيما ستكون ذات دلالات رمزية، والأمر نفسه يمكن أن يقال عن تقرير العراق. لن تكون هناك اعتذارات أو تجريم، بل وقفة أمام التاريخ و«دروس» مستقاة.
نقلا عن جريدة "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة