ثمان وستون سنة، مرّت على نكبة فلسطين، ومع ذلك مازال مفتاح العودة لم يصدأ، وحلم فتح أبواب القدس مازال قائماً
ثمان وستون سنة، مرّتعلى نكبة فلسطين، ومع ذلك مازال مفتاح العودة لم يصدأ، وحلم فتح أبواب القدس مازال قائماً حتى للأجيال التي لم تطأ أقدامها يوماً أرض فلسطين.
وربما لم تشهد قضية فلسطين منذ بدايتها وضعاً أشبه بما آلت إليه الأوضاع في هذه المرحلة و خاصة في ظل الربيع العربي.
لم تعد فلسطين قضية العرب الأولى، لا إعلامياً ولا من حيث اهتمام النخب السياسية و الفكرية.
وحتى الأحزاب العربية التي كانت تضع قضية فلسطين ضمن أولوياتها المطلقة، انكفأت على نفسها و انشغلت في قضايا داخلية و محلية. أما النظم الرسمية التي طالما واجهت انتقاداً من شعوبها على بيانات الاستنكار والتنديد التي ظلت تصدرها رداً على جرائم الكيان الصهيوني خلال عدة عقود، فإنها ما عادت معنية بهذه القضية، ذلك أن الوطن العربي يشهد في واقع الأمر عدة نكبات أخرى، ويشهد عمليات تهجير قد تفوق في بشاعتها، ما ارتكبته عناصر الهاغانا ضدّ الأبرياء في فلسطين.
ولذلك لم يبق للفلسطينيين إلا أن يحملوا قضيتهم على أكفهم، ويحاولوا حماية ما تبقى من أوراق ملفها إلى حين تمر عاصفة ربيع الخراب العربي.
أبناء فلسطين من مختلف الأجيال اجتمعوا في مدينة «مالمو» السويدية يوم السبت الماضي ضمن فعاليات المؤتمر الرابع عشر لفلسطينيي أوروبا، ومثل هذه الاجتماعات تؤكد أن حلم العودة لم ينكسر، و أن فلسطين ماثلة في الضمائر وفي قلوب أبنائها اللاجئين، في دول أوروبا وفي كل دول العالم.
خلال مؤتمر «مالمو» اتضح دونما أدنى شك أن لا شيء يمكن أن يعوض اللاجئين عن وطنهم الأم. صحيح أن الحياة مغرية في أوروبا، وفي أمريكا، وصحيح أن فرص الحياة وآفاق الإبداع هي أرحب بكثير مما هو متوفر في كل الوطن العربي.
لكن كل تلك المغريات لا يمكن لها أن تمحو من الذاكرة تلك الجريمة الكبرى التي حدثت في دير ياسين وفي غيرها من قرى فلسطين.
لا شيء يمكن أن يمحو من الذاكرة، كيف شرّدت عصابات الهاغانا نحو خمسة ملايين من أصحاب الأرض المقدسة؟ وكيف استولت على ثالث الحرمين الشريفين؟ وكيف تعمل على تهويد المدينة وطمس معالمها الإسلامية؟
هنا من المهم الإشارة إلى أن مثل هذه المؤتمرات هي ضرورية لإبقاء القضية حية في وجدان أبناء فلسطين، ولكن هناك خطوات أخرى أكثر فعالية على أبناء فلسطين المبادرة إليها والسعي إلى التعريف بقضيتهم وانتشالها من رفوف النسيان، والعمل على إعادتها إلى الواجهة السياسية العربية و الدولية، وتصيب البوصلة نحو وجهتها الصحيحة.
وليس من المفارقة المحيّرة أنه في ظل عصر وسائط التواصل المتعددة، و في ظل مواقع التواصل الاجتماعي التي اعتمدت في إحداث التغيير الذي نشهده في وطننا العربي، أن تكون قضية فلسطين مغيبة ومهمشة وموضوعة في ركن بعيد عن الأضواء؟ أليس غريباً ألا يستثمر الفلسطينيون كل هذه الوسائط لجعل قضيتهم قضية رأي عام دولي؟ لقد عمل العدو منذ النكبة على تزوير الحقائق، وعلى استغلال الوسائط الإعلامية الدولية الكبرى، ليفرض وجهة نظره وليشكل رأياً عاماً دولياً مسانداً له، وقد نجح في ذلك وكون لوبيات إعلامية نافذة، ساهمت في ترجيح كفته في موازين العلاقات الدولية.
ولكن في ظل الفضاء الرقمي المفتوح، وفي ظل ما بات يعرف بجيوش المقاومة الإلكترونية، أليس من واجب ثوار فلسطين أن يقودوا حملات دون هوادة ضد العدو، وضد كل من يسعى لتهميش قضيتهم الأولى والأخيرة؟
إن الفضاء العربي، وبعد كل ما حل به من خراب منذ العام 2011، فإنه لم يعد ذاك الفضاء الذي يحمل في كفه قضية فلسطين، الانشغالات المحلية والحروب الأهلية والطائفية تساهم في تدمير كل ما تبقى من وحدة اجتماعية وسياسية وثقافية، داخل الوطن الواحد.
ولا يبدو أن ترميم الشروخ التي حدثت داخل المجتمع الواحد سيكون أمراً سهلاً وأمراً ممكن الحدوث في المستقبل القريب، خاصة مع وجود عوامل خارجية ضاغطة تسعى لتعميق هذه الجراح.
لذلك يبقى الأمل قائماً في أبناء البلد سواء المرابطون في الضفة وغزة وفي القدس الشريف، أو أولئك المنتشرون في كل أصقاع الدنيا للدفاع عن قضيتهم ولحشد الرأي العام الدولي من أجل قضيتهم. وليس ذلك بالأمر العسير، خاصة أن المتعاطفين من كل أنحاء العالم قادرون على دعم فلسطين، دعماً غير محدود.
ولكن كل ذلك مرتهن بشرط وحيد وهو أن تأخذ المقاومة الفلسطينية أشكالاً ووسائل جديدة، تكون أكثر براغماتية وأكثر نجاعة.
نقلا عن جريدة "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة