تحت السطح هناك بعض القوى التي تلعب على حبل العلاقة الاستراتيجية بين مصر ودول الخليج..
تحت السطح هناك بعض القوى التي تلعب على حبل العلاقة الاستراتيجية بين مصر ودول الخليج، قد يكون اللاعبون حسني النية وقد يكون الأمر لا يتخطى الإثارة للحصول على التفاتة من الإعلام، وقد يكون الخرق أوسع، فآخرون قد بيّتوا النية لسبب أو لآخر للتشويش على تلك العلاقة بل وتخريبها. الأمر المؤكد أن أي تلاعب في العلاقة الوثيقة بين مصر ودول الخليج معناه التعرض للأمن القومي لكلا الطرفين والأمن القومي العربي المشترك. دول الخليج منشغلة في الفترة الأخيرة بمواجهة حملة مضادة من الهجوم تتمثل أولا في الدولة الإسلامية الإيرانية من جهة، التي ترغب في الهيمنة، وحملة من الدعاية الغربية من جهة أخرى، تشكّك في رغبة دول الخليج في محاربة "داعش" أو الإرهاب. هذا الهجوم ممثّل في أكثر من مفصل، الأول في اليمن، حيث تصر الدولة الإيرانية الإسلامية على إمداد جماعة الحوثي بكل الإمكانات التي تتيح لها شن حرب عصابات في جبال اليمن ضد الدولة الشرعية التي تساندها دول الخليج والمجتمع الدولي، والمفصل الثاني في البحرين التي يعضد فيها الإيراني التصلب السياسي والعنفي لبعض جماعات المعارضة، هذا بجانب تهريب الأسلحة لخلايا نائمة على طول الشريط البحري الخليجي، من الكويت شمالا حتى مضيق هرمز جنوبًا. من جانب آخر تواجه دول الخليج التي تعتمد على مداخيل النفط لرفد اقتصادها، تراجع أسعار هذه المادة الحيوية، مما يعرّض ميزانيات هذه الدول للتراجع، وأيضًا قدرتها على الوفاء بالتزاماتها الداخلية والخارجية للقصور. من جهة أخرى تواجه مصر حربًا معلنة من الإرهاب المحليّ المُعضّد بكل قوى الإرهاب الدولي العابر للأوطان، فإسقاط الطائرة الروسية في فضاء سيناء عمل مخطَّط له بدقة لضرب صناعة السياحة المصرية التي هي واحدة من أعمدة الدخل القومي المصري، وأيضًا لتخريب العلاقات الروسية المصرية، كما أن تراجع التجارة الدولية وتراجع أسعار النفط يُسمّع في الاقتصاد المصري سلبيًّا من خلال التجارة المارّة بقناة السويس وبقدرة تمويل مشاريع التنمية التي تحتاج إليها مصر. الاقتصاد المصري الذي يحاول جاهدًا التعافي من وهدة الاضطرابات التي حدثت في السنوات الأخيرة يواجَه بصعوبات بعضها متعمَّد.
المحصلة أنه لا مصر ولا دول الخليج في هذه الفترة بالذات بوادي المناكفة التي يفتعلها بعض القوى سواء في الساحة الإعلامية غير المسؤولة أو في الساحة الخلفية للدبلوماسية، الساحتان المصرية والخليجية بحاجة إلى التكاتف، كما لم يحدث في السابق من أجل البقاء فوق سطح الأزمات الكبرى التي تعصف بالمنطقة. أمن المنطقة العربية يثبت من جديد أنه واحد، وقد كان التعاون المصري الخليجي في الأزمات الكبرى التي مرت هو طوق النجاة للجميع. فكرة الواحد للكل والكل للواحد لا بد أن تبرز من جديد وأن تكون قناعة لكل الأطراف، فالقوى المتربصة تحاول جاهدة فك اللُّحمة المصرية الخليجية وبذر الشائعات حولها.
ومن الأفضل أن تكون هناك مصارحة على أعلى مستوى بين القيادات الخليجية والمصرية لتصفية تلك الملفات التي هي في الحقيقة انطباعات أكثر منها واقعًا على الأرض. فهناك وشائج قومية أصيلة تربط الإنسان المصري بالإنسان الخليجي، قديمة وراسخة، وهناك مصالح كبرى اقتصادية للطرفين تحتّم على الجميع البحث في تخفيف الاحتقان وردع المتقوّلين والمتنطعين عن الخوض السلبي في ملف العلاقات الثابتة، وهناك الأهم وهو أن الأمن القومي واحد لا يتجزأ. في حال تجاهل الاهتمام بهذا الملف وترك المتطفلين يلغطون في تفاصيله، يتراكم الغبار على أوراقه، ولا يعرف أحد كيف يزيل ذلك الغبار الضار.
السؤال هو: هل معالجة الملف الخليجي المصري له أولية؟ الجواب واضح بيّن: نعم، ونعم كبيرة، لأن هذا الملف تُعلّق فيه ملفات ضخمة منها الحرب على الإرهاب، ومنها دعم الاقتصاد، ومنها التعاون أمام الهجمة القادمة من أكثر من مكان لضرب كل دولة عربية على حدة، تحت أسماء وشعارات مختلفة، إنما الأهم في سرعة وضع الملف على الطاولة لفضح ما يحاك اليوم من خلال كثير من المؤشرات، وهو السعي الحثيث لتقسيم بعض الدول العربية إلى دويلات أصغر، على حافة المفاصل العرقية والإثنية والطائفية. تلك حقيقة يجب أن لا تخفى على متخذ القرار في مصر، ولا على متخذ القرار في دول الخليج، نعم هناك رغبة دولية تدفع بها مصالح كبرى لتقسيم المقسَّم، وإثارة حروب باردة أو ساخنة على حدود الصدوع الإثنية القائمة اليوم في منطقتنا العربية، كما أن هناك محاولات لخلق تحالفات جزء منها عربي وجزء منها غير عربي في الإقليم من أجل تفتيت العصبة العربية وإلحاق بعض المناطق بنفوذ دول إقليمية مجاورة. إن كان للخليج يمنه المضطرب في الجنوب، فلمصر ليبيتها في الغرب، أي ما يحدث في ليبيا، وهو أمر ليس همًّا فقط ولكنه مغلق أيضًا، حيث تُستنزف الطاقة المصرية بين شرق وغرب وجنوب من أجل استهداف قاعدة العرب مصر، كي يستفرد بها الآخرون دون مقاومة.
من الأهمية بمكان أن لا نستهين بالصغائر في هذه المرحلة الحرجة، فهناك من بعض الإعلام ما يثير ضد الآخر ويؤجّج الخلافات الصغيرة وينفخ فيها، إذا كان هناك انشغال مصري بالداخل السياسي مفهوم في المرحلة السابقة، أمَا وقد أشرفت خارطة الطريق لإصلاحات يونيو 2013 على الاكتمال، فإن الملف العربي من منظور الأمن الإقليمي آن له أن يوضع على الطاولة ويُبحث في أكثر من اتجاه، الأول هو النظر في تعضيد حقيقي وفعال للجامعة العربية، التي هي بيت كل العرب، واتخاذ قرارات صعبة ولكن مستحَقّة في إصلاح هذا البيت من حيث الآليات وأيضًا مشغلي تلك الآليات، حتى لو كان هناك بعض الاعتراضات من دول عربية في الغالب هي ليست حرة تمامًا في اتخاذ قراراتها في هذه المرحلة، وثانيا التفكير الجدي لإحياء (ناتو)عربي بمن حضر، تكون قاعدته مصر ودول الخليج لدفع الشرور عن المنطقة. الوقت هو وقت اتخاذ القرارات الصعبة كما هو وقت الوضوح ووضع الخطوط للآخرين لتجنب المغامرة، ذلك يتحقق عندما يؤمن الجميع بأننا في هذه المرحلة نحتاج إلى رجال دولة ينظرون بعيدا إلى تأثير المخاطر الحالية على الإقليم العربي كاملا.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة "الأهرام" وبوابة "العين" الإخبارية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة