أزمات اقتصادية طاحنة زادت من الغضب الشعبي وفتحت الساحة أمام تيارات المعارضة والأحزاب اليمينية للمطالبة بالتغيير.
تواجه دول أمريكا الجنوبية أكبر موجة انحسار لسياسات اليسار التي ظلت سائدة بهذه الدول لسنوات، فيما يمكن تسميته بـ"خريف يسار" ضرب البرازيل وفنزويلا والأرجنتين، في ظل أزمات اقتصادية طاحنة زادت من الغضب الشعبي وفتحت الساحة أمام تيارات المعارضة والأحزاب اليمينية للمطالبة بالتغيير.
البرازيل وروسيف
ففي البرازيل، لم تنته الأزمة السياسية بإقالة الرئيسة ديلما روسيف، بعد قرار مجلس الشيخ أمس الجمعة بإقالتها، وتعيين نائبها ميشال تامر بدلا منها بانتظار انتهاء محاكمتها؛ حيث اعتبرت الرئيسة المعلقة مهاما الحكومة التي شكلها الرئيس تامر "غير شرعية" وتعاني من "مشكلة في التمثيل".
وعلق تصويت تاريخي في مجلس الشيوخ الخميس الماضي مهام روسيف ليتسلم الرئاسة مؤقتا نائبها تامر، في زلزال سياسي أنهى 13 عاما من حكم اليسار في أكبر دولة في بأمريكا اللاتينية.
واستبعدت روسيف "68 عاما" تلقائيا من السلطة لمدة أقصاها 180 يوما في انتظار صدور الحكم النهائي لمجلس الشيوخ الذي يفترض أن يصوت بغالبية الثلثين "54 صوتا من أصل 81" من أجل إقالتها نهائيا.
وقالت روسيف، في أول تصريح لها بعد إقالتها عن حكومة تامر، إن "حكومة غير شرعية ستحتاج دوما إلى آليات غير شرعية للحفاظ على نفسها"، واصفة نائبها السابق بأنه "خائن"، وأنه يقف خلف إحالتها للمحاكمة.
ووعدت المناضلة السابقة التي تعرضت للتعذيب في أثناء الحكم الديكتاتوري "1964-1985" بأن تحارب للعودة إلى السلطة.
وفى سياق مقابل، توقع الرئيس البرازيلي المؤقت ميشال تامر أن يبقى في منصبه حتى نهاية 2018 من دون أن ينتظر حتى نتيجة محاكمة الرئيسة ديلما روسيف.
وقال تامر لمجلة إيبوكا البرازيلية، في أول مقابلة صحفية يجريها منذ تسمله مقاليد الرئاسة: "لن أقوم بمعجزات في غضون عامين"، مضيفا أنه "خلال هذين العامين والسبعة أشهر أريد، بمساعدة من الجميع، أن أضع البلد مجددا على الطريق الصحيح".
وبدأت الحكومة البرازيلية الجديدة برئاسة تامر العمل لمحاولة إصلاح الوضع الاقتصادي في البلاد التي تشهد أزمة اقتصادية عميقة.
واتهمت المعارضة اليمينية روسيف بارتكاب "جريمة مسؤولية" من خلال التلاعب عمدًا بمالية الدولة لإخفاء حجم العجز في 2014، عندما أعيد انتخابها في اقتراع موضع جدل.
فنزويلا ومادورو
وفي فنزويلا، أعلن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو حالة الطوارئ لمدة 60 يوما بسبب ما وصفه بمؤامرات من داخل فنزويلا والولايات المتحدة للإطاحة بحكومته اليسارية.
وأدت حالة طوارئ سابقة تم فرضها في ولايات قرب الحدود الكولومبية العام الماضي إلى تعليق الضمانات الدستورية في تلك المناطق باستثناء الضمانات المتعلقة بحقوق الإنسان.
وتسعى المعارضة الفنزويلية إلى إجراء استفتاء على بقاء الزعيم الذي لا يحظى بشعبية وسط أزمة متفاقمة تضمنت نقص المواد الغذائية والأدوية وتكرار انقطاع الكهرباء وعمليات نهب متفرقة وارتفاع معدل التضخم.
ولكن مادورو، وهو زعيم نقابي وسائق حافلة سابق، تعهد بالتمسك بإكمال فترة رئاسته التي تنتهي في 2019 ويتهم الولايات المتحدة بالسعي للقيام بانقلاب ضده.
وأشار إلى مساءلة رئيسة البرازيل اليسارية ديلما روسيف الأسبوع الماضي كعلامة على أنه التالي.
وتشهد علاقة واشنطن مع كراكاس توترًا منذ سنوات، لا سيما في أعقاب دعم الولايات المتحدة لانقلاب لم يدم طويلا في 2002 ضد الرئيس الراحل هوجو تشافيز.
وقال مادورو، خلال كلمة في التلفزيون الرسمي مساء أمس الجمعة، إن "واشنطن تُفعل الإجراءات بناء على طلب اليمين الفنزويلي الذي شجعه الانقلاب الذي حدث في البرازيل."
ووقع مادورو، الذي كان يحيط به وزراؤه وتمثال لتشافيز، على حالة الطوارئ وتمديد حالة الطوارئ الاقتصادية لحماية البلاد من "التهديدات" الخارجية والداخلية دون أن يقدم تفاصيل.
وكان مسؤولان في المخابرات الأمريكية قد قالا، يوم الجمعة، إن الولايات المتحدة تشعر بقلق متزايد من احتمال حدوث انهيار اقتصادي وسياسي في فنزويلا، ويدفع لذلك مخاوف من التخلف عن سداد الديون وزيادة الاحتجاجات في الشوارع، والتدهور في قطاع النفط الحيوي في البلاد.
وفي تقييم متشاءم للأزمة المتفاقمة في فنزويلا أبدى هذان المسؤولان الكبيران تشككهما في أن يسمح مادورو بالدعوة لإجراء استفتاء هذا العام، على الرغم من الاحتجاجات التي قادتها المعارضة للمطالبة باستفتاء لتحديد إذا كان سيبقى في السلطة، ولكنهما قالا في لقاء مع إنه من غير المحتمل أن يتمكن مادورو من إكمال مدة رئاسته التي من المقرر أن تنتهي بعد الانتخابات في أواخر 2018.
وقامت حشود في فنزويلا بسرقة دقيق "طحين" ودجاج بل ملابس داخلية الأسبوع الماضي مع تزايد عمليات النهب عبر هذا البلد العضو في أوبك، والذي يعاني من أزمات ويشهد نقصا في كثير من السلع الأساسية وقال المسؤولان الأمريكيان إن هذا قد يتحول إلى اضطرابات واسعة النطاق.
وأطلق جنود الغاز المسيل للدموع على محتجين من رماة الأحجار يوم الأربعاء الماضي، في الوقت الذي قامت فيه المعارضة الفنزويلية بمسيرة للضغط على السلطات الانتخابية للسماح بإجراء استفتاء ضد مادورو.
الأرجنتين وكريشنر
ولم تغب الأرجنتين بدورها عن الأزمة الضاربة في دول أمريكا اللاتينية؛ حيث وجه قاض أرجنتيني إلى الرئيسة السابقة كريستينا كيرشنر أمس تهمة الإضرار بالمال العام بسبب عملية مضاربة في أسعار صرف العملات أجراها المصرف المركزي في الأشهر الأخيرة من عهدها "2007-2015".
وفي قرار نشره على الموقع الإلكتروني للمحكمة العليا اعتبر القاضي الفدرالي كلاوديو بوناديو أنه "من الواضح أن الرئيسة آنذاك أصدرت توجيهات تم إعدادها على الأرجح بصورة مشتركة إلى وزير الاقتصاد من أجل إجراء هذه العملية المالية"، كما أمر القاضي بتجميد 15 مليون بيزوس "مليون دولار" من أموال كيرشنر.
واتخذ القاضي الإجراءات نفسها، توجيه التهمة وتجميد الأموال بحق كل من وزير الاقتصاد السابق اكسيل كيسيلوف، والحاكم السابق للمصرف المركزي اليخاندرو فانولي، و12 عضوا سابقا في مجلس إدارة المصرف.
وكانت الرئيسة اليسارية السابقة رفضت لدى مثولها أمام القاضي في 13 إبريل/نيسان الرد على أسئلته، وقدمت مذكرة تطلب فيها من القضاء تنحيته عن هذه القضية.
وكيرشنر متهمة بالإضرار بالمال العام بسبب عملية مضاربة بأسعار صرف العملات أجراها المصرف المركزي في الأشهر الأخيرة من ولايتها.
وحسب الحكومة الحالية التي كانت آنئذ في المعارضة فإن هذه العملية كلفت ثالث أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية خسائر بمئات ملايين الدولارات.