كراكاو البولندية.. رحلة تاريخية لأوروبا العصور الوسطى
أجواء أوروبا في القرون الوسطى يمنكك التمتع بها في مدينة كراكاو، ثاني أكبر مدن بولندا، وعاصمتها الثقافية والفنية والتاريخية.
إذا أردت أن تعيش أجواء أوروبا في القرون الوسطى فعليك التوجه إلى مدينة كراكاو، ثاني أكبر مدينة في بولندا، وعاصمتها الثقافية والفنية والتاريخية.
تبدأ الزيارة للمدينة بالتوجه للميدان الرئيسي في قلب المدينة القديمة في شمال بولندا والمطلة على النهر بتلة فافل (Wawel)، وبالطبع سوف تبهرك القلعة العتيقة ببرجيها الشامخين، وهي التي تحوي رفات الملوك والأمراء.
يعود تاريخ تأسيس "المدينة القديمة" إلى القرن الميلادي السابع، وهي اليوم تحتل مكانا بارزا على "قائمة اليونيسكو للتراث العالمي" ولأكثر من 500 سنة كانت كراكوف عاصمة لبولندا بين عامي 1038 و1596، وفي عام 1364 أسس الملك كازيمير الثالث في المدينة جامعتها الشهيرة، الجامعة الياغييلونية.. ثاني أقدم جامعات أوروبا الشرقية بعد جامعة تشارلز (أو جامعة الملك) في براغ. وطُبع فيها أول كتاب يطبع في بولندا عام 1473.
نمت المدينة وبلغت الأوج أكثر تحت حكم السلالة الياغييلونية التي حكمت اتحاد بولندا وليتوانيا، وفي هذه الفترة شيدت في المدينة تحف معمارية كثيرة لافتة، بما فيها عدد كبير من المباني الخاصة والمؤسساتية والدينية، بينها عدد كبير من الكاتدرائيات والكنائس بجانب الكنس اليهودية في حيها اليهودي التاريخي كاجيميج (Kazimierz)، جنوب شرقي تلة فافل، واستقطبت المدينة إليها كبار الفنانين والحرفيين والأدباء ورجال الأعمال.. وقادت عن جدارة النهضة الفنية في البلاد.
وحينما توفي آخر ملوك السلالة الياغييلونية، زيغيسموند (زيغمونت) الثاني عام 1572، فانتقل العرش البولندي إلى الملك الفرنسي هنري الثالث، الذي تلاه عدد من الحكام الأوروبيين عانت المدينة تحت حكمهم تراجعا كبيرا في أحوالها.
وتفاقم تراجعها مع الدمار والنهب اللذين خلفهما الغزو السويدي، ثم حلت بالمدينة موجة من الطاعون فتكت بأكثر من 20 ألف نسمة من أهلها.
وعام 1596 نقل الملك زيغيسموند الثالث (من سلالة فاسا السويدية) عاصمة الدولة البولندية - الليتوانية من كراكوف إلى وارسو.
وبين نهاية القرن السابع عشر ومنتصف القرن التاسع، تلاحقت أحداث كثيرة على المدينة، وكذلك على بولندا نفسها بفعل صراعات القوى الكبرى المحيطة بها، ومطامح القوى البعيدة عنها، عندما اجتاح نابليون بونابرت بولندا في طريقه لمهاجمة روسيا.
وبين عامي 1846 و1918 غدت المدينة قلب "دوقية كراكوف العظمى"، ثم بعد غزو ألمانيا النازية بولندا وقبل اندلاع الحرب العالمية الثانية اختار الألمان المدينة - التي يسمونها كراكاو - عاصمة لـ"الحكومة الألمانية (الاستعمارية) العامة"، ولكن على الرغم من ويلات الحرب، كانت كراكوف من الحواضر القليلة في وسط أوروبا التي نجت كنوزها المعمارية الأصلية من الدمار.
"رحلة تاريخية"
يمكن التنزه في الأحياء التاريخية في كراكاو، لذا يمكنك البدء بجولة على الأقدام في متنزه بلانتي الرائع المليء بالأشجار والذي يحيط بالمدينة القديمة. وتكفي متعة التجول داخل المدينة التي تعد متحفا مفتوحا يضم ستة آلاف موقع أثري وشبه أثري بطرز العمارة القوطية والباروكية وعصر النهضة داخل حيز حضري تحيط به غابة خضراء هي حديقة بلانتي (بلانتي بارك).
وفي قلبها ساحة السوق الرئيسية (الرينيك) وشارع فلوريينسكا وشارع غرودسكا. أما أبرز مباني الساحة فمبنى الـ”سوكيينيتسا” (قاعة القماش) وبازيليك سانت ماري والمباني القديمة في الجامعة الياغييلونية والمتحف الوطني. ثم هناك في جنوب “المدينة القديمة” تلفت الزائر قلعة فافل والكاتدرائية. وخلف القلعة عبر تلة فافل، يمتد حي كاجيميج، الحي اليهودي التاريخي، بساحاته وشوارعه، واليوم توجد في ساحته الرئيسية بعض أفضل مطاعم المدينة.
“فنون معاصرة بنكهة تاريخية”
التعرف على فنون وثقافة كراكاو في العصر الحالي مهمة للتعرف على أثر التراث الحضاري والثقافي، وهي تضم ما لا يقل عن 28 متحفا ومعرضا فنيا دائما، وتعد زيارة المتحف الجديد للفن المعاصر في كراكاو أو “موكاك”mocak مهمة للغاية خاصة لعشاق الفن التشكيلي وهو يضم أعمالا فنية مثيرة منها نموذج بالحجم الطبيعي لزنزانة في سجن غوانتانامو للفنان البولندي توماس باير.
كما يمكنك أن تبدأ يومك بجولة في الفن البولندي عبر القرون. ابدأ بقاعة كولث، وهي عبارة عن مبنى ضخم في وسط الميدان الرئيسي، حيث أعاد المتحف الوطني في سبتمبر (أيلول) 2010 إقامة قاعة الفن البولندي خلال القرن التاسع عشر في الطابق الأعلى، داخل غرف مطلية بأربعة ألوان. يمكن بعد ذلك زيارة متجر “غالريا بلاكاتو كراكو”المليء بآلاف الملصقات النادرة التي تعود إلى القرن العشرين وظهرت كشكل مهم من الأشكال الفنية في بولندا بعد الحرب العالمية الثانية. ولا تنس مشاهدة أعمال فيسلاف فالكوسكي.
واختتم الجولة بأعمال القرن الحادي والعشرين للفنان بونكير شتوكي في قاعة الأعمال الفنية المعاصرة وتعرض بعض القاعات الأعمال التجريبية مثل مقطع مصور مناهض للرأسمالية.
“أكلات بولندية تراثية”
تشتهر كراكاو بخبز “الزابيكانكا»، وهو خبز الباغيت الفرنسي ذو الوجه المقمر المحمص الذي يعلوه عيش الغراب والجبن أو أي عدد من الخيارات الغريبة. وتعج المساحة المستديرة من وسط بلاكنوفي ببائعي هذا الخبز، لكن أفضل من يقدمه في “إندزور”(endzior.eu).
ولا داعيَ للقلق حيال الوجبات الخفيفة أثناء جولتك السياحية، حيث يوجد في كل ركن من المدينة القديمة عربة مطلية باللونين الأزرق والأبيض لبيع كعك البيغل البولندي. ويمكنك الحصول على قطعتين من هذا الكعك والقفز داخل القطار المتجه إلى مدينة فيليشكا الهادئة التي تبعد نحو 8 أميال وهي منجم الملح الصخري.
ويعد هذا الموقع من المواقع المسجلة على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي. وتبدأ الجولة التي تستغرق نحو الساعتين ونصف الساعة في الموقع بنزول 201 قدم إلى ممر في منجم يعود إلى القرن السابع عشر، ثم الزحف عبر متاهة من الغرف التي تضم كنيسة عظيمة كاملة لها مذبح وثريات وتماثيل وأعمال منحوتة بالنحت البارز والمصنوعة من الملح.