يتعرض الوطن العربى والشرق الأوسط لتغيرات كبرى كل قرن أو أقل
يتعرض الوطن العربى والشرق الأوسط لتغيرات كبرى كل قرن أو أقل، والوطن العربى والشرق الأوسط كما نعهدهما يعودان إلى اتفاقية سايكس بيكو الموقعة بين فرنسا وإنجلترا فى مايو 1916، وتثير التطورات الدولية والاتفاقات بين القوى الكبرى والقوى الإقليمية تساؤلات كبرى حول ما إذا كان قد حان الوقت لإعادة النظر فى هيكل وبنيان الوطن العربى ودوله وأطرافه، وكذلك الشرق الأوسط، وكيف يمكن للدول العربية أن تجنب نظامها الإقليمى تغيرات أو تعديلات على غير إرادتها أو رغبتها، ولا شك أن تطورات مهمة تحيط بكل من الوطن العربى والشرق الأوسط تشكل دافعًا إلى التغير، ونشير منها إلى ثلاثة؛ من ناحية، هناك تحديات حقيقية لمفهوم الدولة القومية فى المنطقة، إذ يرى البعض، خصوصًا فى إسرائيل، أنه فيما عدا مصر لم تتوافر شروط الدولة القومية فى الوطن العربى من تماسك داخلى واندماج وطنى ووحدة ديموجرافية، من ثم؛ وُجدت خطط عديدة لإعادة تشكيل دول المنطقة بناءً على حدود ديموجرافية أو عرقية أو مذهبية لم تكن قد تبلورت عند تقسيم المنطقة إلى دول من قبل، وهكذا تم نشر العديد من الخطط الأمريكية، مثل؛ الشرق الأوسط الكبير والشرق الأوسط الجديد وكلها تعنى إعادة التقسيم، ومن ناحية ثانية؛ فإن اعتماد عدد كبير من الدول العربية على البترول/ الغاز الطبيعى كمصدر وحيد للناتج القومي، وفى ضوء تدهور أسعارهما ومن ثم الإضرار بدخول تلك الدول وما يترتب على ذلك من تهديد لاستقرارها وربما بقائها يثير أسئلة جدية حول ما إذا كانت الدخول الريعية كافية للحفاظ على كيانات سياسية أنشأتها الدول الاستعمارية أم لا، ومن ناحية ثالثة؛ فإن التحالف الثلاثى الإسرائيلي- الإيراني- التركي، وهى دول الجوار غير العربية للوطن العربي، ضد الدول العربية، يدفع إلى التأمل فى بنيان وهيكل الدول العربية الملائم لمواجهة هذا التحالف خصوصًا فى ضوء كثافة التفاعلات بين مصر، الدولة الإقليمية المركزية فى الشرق الأوسط، ودول عربية رئيسية كالسعودية والإمارات وبقية دول مجلس التعاون الخليجى والمغرب والأردن والجزائر خارج الإطار التقليدي، وهو جامعة الدول العربية.
إن هذه التطورات تدفعنا إلى النظر بتعمق فى مستقبل الدولة الوطنية وسبل الحفاظ عليها وحمايتها من الفشل فى أداء وظائفها التى أنشئت من أجلها، والتى يمكن حصرها فى الإنتاج والتوزيع والعدالة والتجنيد السياسى والأمن القومي، لأن الفشل فى أدائها يؤدى إلى عدم الاستقرار وتهديد بقاء الدولة ذاته، ولعله من المؤسف أن ترتيب الدول العربية -بصورة عامة- فى كافة المؤشرات الدولية يأتى فى مراتب متدنية، بل أن معظم الدول العربية تأتى ضمن أسوأ ثلاثين دولة فى مؤشر فشل الدولة لعام 2015، ويصير أمام الدول العربية أحد خيارين؛ إما قبول الأمر الواقع دون التقدم بمبادرات بناءة تشد أزرها وتقوى بنيانها وتعينها على أداء وظائفها ومواجهة التهديدات، وفى هذه الحالة؛ فإن الوطن العربى والشرق الأوسط لن يستمرا على ما هما عليه، لأن الصراع والحروب والإرهاب التى تملأ المنطقة تهدد، بلا شك، الاستقرار الدولي، ومن ثم مصالح الدول الكبري، والتى تسعى بالضرورة إلى إعادة تشكيل المنطقة بصورة تزيد من تحكمها فيها وإرضاخها واستمرار تبعيتها، ويصير التقسيم الجديد مآلاً للمنطقة، والخيار الثانى أن يستلهم العرب روح العصر ويتحركوا بروح جماعية نحو إعادة بناء الكيان العربى فى عالم سئم الفرقة وتحيز للتجمعات الأكبر، ومما يشجع على هذا الخيار تحليل الخطاب السياسى للرئيس السيسى والملك سلمان والملك حمد والشيخ محمد بن زايد وملك المغرب وملك الأردن والمسئولين فى لبنان وليبيا والعراق خلال الشهرين المنصرمين؛ فالجميع بدون استثناء تحدثوا عن التضامن والتعاون والتكتل كما تحدثوا عن المستقبل وأكدوا على مصالح الشعوب وكيان الدولة القومية، ويعد هذا الخطاب السياسى الجديد فاتحة مهمة لعصر حديث يضع الوطن العربى مجتمعًا على الخريطة الدولية ضمن أهم الفاعلين الدوليين، شريطة تحوله إلى كونفدرالية عربية؛ فالدول العربية مجتمعة تشكل التكتل الأول من حيث عدد السكان والسادس من حيث حجم الناتج القومى إن التحول من دول منفردة إلى كونفدرالية يعنى احتفاظ كل دولة عربية بنظامها السياسى المستقل مع التنسيق الكامل فى السياسات الأمنية والدفاعية والسياسة الخارجية؛ ففى ظل الكونفدرالية العربية تتحول الجيوش العربية إلى جيش عربى موحد تقوده قيادة عسكرية موحدة على نمط القيادة العسكرية العربية المشتركة فى إطار معاهدة الدفاع المشترك بين الدول العربية، كما تصير صناعة السياسة الخارجية واحدة إلى حد كبير، وفى ذلك إعلاء للمصالح العربية المشتركة على ما عداها، وفى هذا الإطار؛ فإن الكونفدرالية العربية تختلف عن الفيدرالية التى تقضى بإلغاء الشخصية الدولية لأطراف النظام الفيدرالي، وتعنى وجود حكومة مركزية واحدة كما هو الحال فى الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة، وفى هذا الإطار، علينا أن نتذكر أن الولايات المتحدة بتشكيلها الحالي، 50 ولاية، بدأت بالنظام الكونفدرالى الذى كان يضم 13 ولاية ثم تحولت بناءً على دستور 1776 إلى النظام الفيدرالى الراهن.
مؤدى ما سبق، أن الكونفدرالية العربية تشكل المبادرة الإقليمية المهمة التى ترد على ثلاثة تحديات كبري، أولها التحالف الاستراتيجى بين إسرائيل وإيران وتركيا، والذى يشكل التهديد الأول لأمن الوطن العربي، والثانى خطط إعادة تقسيم الشرق الأوسط إلى دويلات قزمية تمهد لها الدول الكبرى والتجمعات الرئيسية فى النظام الدولي، والثالث تحديات التنمية الاقتصادية والاجتماعية بغرض الاستجابة لاحتياجات المواطنين العرب خصوصًا الشباب منهم، والذين يشكلون ما يناهز 50% من إجمال الشعوب العربية، وهؤلاء يتطلعون إلى المستقبل ولا يتعلقون بالماضى، ويرنون إلى الكونفدرالية العربية ولا ينتظرون المآل السلبى للشرق الأوسط.
*- نقلاً عن صحفية "الأهرام".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة