قناة السويس من الحفر إلى الحرب.. رحلة كفاح عمرها 165 عاما
تحل اليوم في مصر الذكرى 165 لحفر قناة السويس، التي تعد أهم مجرى ملاحي في العالم لأهميته للتجارة الدولية وسلاسل الإمداد.
كذلك تعد قناة السويس "شريان الخير لمصر والعالم"، فهي أهم مجرى ملاحي، إذ يمر بها ما بين 8 و12% من حجم التجارة العالمية، كما أنها أحد المصادر الخمسة للعملة الأجنبية في مصر، بجانب السياحة والصادرات وتحويلات المصريين بالخارج والاستثمار الأجنبي المباشر.
ومنذ افتتاحها في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 1869 شهدت قناة السويس عدة مراحل تاريخية، ومرت بتطورات وأحداث كبرى، على رأسها قرار التأميم الذي أعاد ملكيتها لمصر، وإغلاقها بعد حرب 1967، ثم إعادة افتتاحها في يونيو/حزيران 1975.
فرمان إنشاء القناة
تناول المؤرخون أن الفرعون سنوسرت الثالث كان أول من فكر في شق قناة تربط البحرين الأحمر والمتوسط، إلا أن تاريخها الفعلي يبدأ من فرمان الامتياز الأول، وما تبعه من فرمانات حتى بدء عملية الحفر في 25 أبريل/نيسان عام 1859، بمشاركة نحو 20 ألفا من العمال المصريين الذين أدوا واجبهم في ظروف إنسانية بالغة القسوة.
في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1854، أصدر سعيد باشا -حاكم مصر آنذاك- الفرمان الأول بمنح فرديناند ديلسبس حق إنشاء شركة لشق قناة السويس، ونص الفرمان على إنشاء ديلسبس شركة أشرف عليها بنفسه.
كما نص الفرمان أيضا على أن مدة الامتياز 99 سنة، تبدأ من يوم افتتاح القناة وتحصل مصر على 15% من صافي أرباح الشركة السنوية، وتضمن أيضا أن يكون رسم المرور بالاتفاق بين الخديوي والشركة، على أن تتساوى فيه جميع الدول دون تفرقة أو امتياز، وأن تتولى الحكومة المصرية إدارة الشركة وكافة المنشآت التابعة لها بمجرد انتهاء الامتياز.
وفي الخامس من يناير/كانون الثاني 1856، صدر فرمان الامتياز الثاني، وتضمن 23 مادة توضح ما تضمنه الفرمان الأول من أحكام، وأكدت المادتين الـ14 والـ15 بشكل واضح حياد القناة، حيث نصت المادة 14 "القناة البحرية الكبرى من السويس إلى الطينة والمرافئ التابعة لها مفتوحة على الدوام بوصفها ممرا محايدا لكل سفينة تجارية".
تأسيس الشركة العالمية لقناة السويس البحرية
في 15 ديسمبر/كانون الأول 1858، تأسست الشركة العالمية لقناة السويس البحرية برأس مال قدره 200 مليون فرنك (ما يعادل 8 ملايين جنيه وقتها)، مقسمة على 400000 سهم، قيمة كل منها 500 فرنك، وخصص لكل دولة عدد معين من الأسهم، وحصلت مصر على النصيب الأكبر بـ92136 سهما، وخصص لإنجلترا والولايات المتحدة والنمسا وروسيا 85506 أسهم.
ولكن الدول الأجنبية رفضت المشاركة في الاكتتاب، ما اضطر لاستدانة 28 مليون فرنك (1120000 جنيه) بفائدة مرتفعة لشراء نصيبها في ظل إلحاح دليسبس، ورغبة منها في إنجاح المشروع، لتمتلك مصر 177642 سهما بقيمة 89 مليون فرنك تقريبًا (3560000 جنيه) أي ما يقرب من نصف رأس مال الشركة.
بدأت أعمال حفر القناة في 25 أبريل/نيسان 1859، رغم اعتراضات بريطانيا والباب العالي (الحاكم العثماني)، وتدفقت مياه البحر الأبيض المتوسط ببحيرة التمساح في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 1862، ثم التقت مياه البحرين في 18 أغسطس/آب 1869، لتكون قناة السويس، حيث استغرق تنفيذ المشروع عشر سنوات، بعد استخراج 74 مليون متر مكعب من الأتربة، وبلغت تكاليفه 433 مليون فرانك (17320000 جنيه)، أي ضعف المبلغ الذي كان مقدرا لإنجازه.
وفي 17 نوفمبر/تشرين الثاني، افتتح الخديوي إسماعيل قناة السويس في حفل أسطوري، بحضور ستة آلاف من قادة العالم، حيث عبرت في ذلك اليوم السفينة "ايغيل" وعلى متنها كبار المدعوين تتبعها 77 سفينة منها 50 سفينة حربية، وبلغت تكلفة الحفل نحو مليون ونصف المليون جنيه.
اتفاقية القسطنطينية
في 15 فبراير/شباط 1875، اشترى رئيس الوزراء البريطاني من الخديوي إسماعيل 176602 سهم بقيمة 3976580 جنيها استرلينيا، ما يمثل 44% من نسبة الأسهم، مع أحقية مصر في الحصول على 31% من ربح الشركة، وتنازلت الحكومة المصرية في 17 أبريل/نيسان 1880 للبنك العقاري الفرنسي عن حقها في الحصول على 15% من ربح الشركة مقابل 22 مليون فرنك، لتستحوذ فرنسا وإنجلترا على نسبة 56% و44% من الأسهم، على التوالي.
وفي عام 1882، دخل الاحتلال الإنجليزي لمصر، ليستولي على مرافق الشركة، ويوقف حركة الملاحة لمدة مؤقتة، وأصدر لورد جرانفيلد في 3 يناير/كانون الثاني 1883 تصريحا إلى الدول الكبرى، لإبلاغها برغبة إنجلترا في سحب جيشها من مصر في أقرب فرصة، مقترحًا تنظيم وضع قناة السويس بموجب اتفاقية تبرم بين الدول الكبرى.
وتم عقد اجتماع في 30 مارس/آذار 1885 في باريس، لوضع وثيقة بضمان حرية الملاحة في القناة بجميع الأوقات ولكافة الدول، ولكن لم يتم الاتفاق على وضع هذه الوثيقة.
وفي 29 أكتوبر/تشرين الأول 1888 أبرمت اتفاقية القسطنطينية بين فرنسا والنمسا والمجر وإسبانيا وإنجلترا وإيطاليا وهولندا وروسيا وتركيا، بمقتضاه تم وضع نظام نهائي لضمان حرية الملاحة في القناة السويس.
تأميم القناة
في 26 يوليو/تموز 1956، أعلن الرئيس المصري جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس، ونصت المادة الأولى من القرار على أن "تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية (شركة مساهمة مصرية)، مع تعويض المساهمين. وفي مطلع يناير/كانون الثاني 1963 كانت مصر قد سددت كافة التعويضات التي بلغت 2.830 مليار جنيه، سددت قيمتها بالعملة الصعبة.
وبعد تأميم القناة واجهت مصر هجمة استعمارية شرسة، بدأت بمحاولة خنق الاقتصاد، إذ انسحب المرشدون والفنيون الأجانب الذين يعملون في القناة لتعطيل الملاحة، إلا أن المرشدين المصريين استطاعوا تجاوز الأزمة بمعاونة بعض المرشدين من الدول الصديقة.
واستمرت الأحداث حتى العدوان الثلاثي على مصر في الفترة من 31 اكتوبر/تشرين الأول حتى 22 ديسمبر/كانون الثاني 1956، لتعود الملاحة مرة أخرى في 29 مارس/آذار 1957، شهدت بعدها عدة مشروعات، أبرزها مشروع ناصر لزيادة القطاع المائي والغاطس المسموح به للسفن.
العدوان الإسرائيلي
في 5 يونيو/حزيران 1967 توقفت الحركة بالقناة بسبب العدوان الإسرائيلى، واستمر الوضع حتى أعيد فتحها للملاحة العالمية في 5 يونيو/حزيران 1975، بعد تطهيرها من مخلفات الحروب ورفع السفن الغارقة بين حربي 1967 و1973.
ومنذ الافتتاح الأول للقناة حتى تأميمها نفذت عدة برامج تحسين وتطوير، لزيادة العمق والعرض والقطاع المائي والغاطس المسموح به بتكلفة 20.5 مليون جنيه.
قناة السويس الجديدة
في 2014، وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي بإنشاء قناة جديدة لتعظيم الاستفادة وزيادة الدخل القومي، وتحقيق أكبر نسبة من الازدواجيه لتسيير السفن في الاتجاهين دون أن تتوقف فى مناطق الانتظار، ما يقلل من زمن عبور السفن، يزيد من قدرتها الاستيعابية لمرور السفن في ظل النمو المتوقع لحجم التجارة العالمية في المستقبل.
واستمر تنفيذ المشروع لمدة 12 شهرًا، بتكلفة 8.2 مليار دولار، ليفتتح في أغسطس/آب 2015، لتزيد القدرة التصريفية للقناة من 77 إلى 97 سفينة يوميا، وعبور 45 سفينة في كلا الاتجاهين، مع تقليل زمن العبور إلى 11 بدلًا من 18 ساعة، والسماح بعبور السفن حتى غاطس 66 قدما في كلا الاتجاهين.
وحقق المشروع الأمان الملاحي لقناة السويس، في ظل وجود قناة بديله تضمن عدم توقف الملاحة حال حدوث أي طارئ، وتم تقليل الإنحناءات بالمجرى الملاحى للقناة، لزيادة معدلات الأمان الملاحى للسفن العابرة، بالإضافة إلى الحفاظ على دورها عن طريق الاستمرار فى تطوير المجرى الملاحى للقناة فى ظل مشاريع التطوير التى تتم فى الطرق المنافسة والبديلة سواء البحرية منها أو البرية.
إيرادات قناة السويس
سجلت إيرادات قناة السويس أعلى مستوياتها في عام 2022/2023 بقيمة 9.4 مليار دولار، وحققت 7 مليار في 2022/2021، و5.9 مليار في 2021/2020، و5.8 مليار في 2020/2019، و5.7 مليار في 2019/2018، و5.9 مليار في 2018/2017، و4.9 مليار في 2017/2016، و5.1 مليار في 2016/2015، و5.36 مليار في 2015/2014.