رئيس وزراء لبنان: نحن في حالة انهيار وسنطلب مساعدة "الصندوق"
رئيس الوزراء اللبناني يقول إن بلاده في حالة انهيار شبه كامل، والواقع المالي يستند إلى أرقام غير واقعية
أعلن رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب، الخميس، أن بلاده ستطلب المساعدة من صندوق النقد الدولي لوضع حد للانهيار الاقتصادي المتسارع، بعد وقت قصير من إقرار مجلس الوزراء خطة إنقاذية.
وقال دياب في كلمة وجهها إلى اللبنانيين "سنمضي في طلب برنامج مع صندوق النقد الدولي"، واصفاً خطة حكومته بأنها "خريطة طريق واضحة لإدارة المالية العامة"، بينما تشهد البلاد أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود ويرزح 45% من السكان تحت خط الفقر.
وفي وقت سابق اليوم أقرّت الحكومة اللبنانية خطة إنقاذ اقتصادية طال انتظارها، وتأمل في أساسها إقناع المجتمع الدولي بمساعدة لبنان على الخروج من دوامة انهيار مالي فاقمته تدابير وقاية مشددة لمواجهة وباء كوفيد-19.
وأورد حساب الرئاسة في تغريدة مقتضبة "مجلس الوزراء وافق بالإجماع على الخطة الاقتصادية بعد إدخال تعديلات طفيفة على الصيغة المقترحة".
وجاء إقرار الخطة بعد ثلاثة أيام متتالية نزل خلالها مئات المتظاهرين إلى الشوارع احتجاجاً على غلاء المعيشة وفقدانهم مصادر رزقهم وغياب أي أفق لحل الأزمة الاقتصادية، رافعين الصوت عالياً ضد "الجوع". وحصلت مواجهات بينهم وبين وحدات من الجيش، خصوصاً في مدينة طرابلس شمالاً.
وقال رئيس الوزراء اللبناني إن خطة الإصلاح الاقتصادي التي وافقت عليها الحكومة، اليوم الخميس، تهدف إلى إعادة هيكلة القطاعين المصرفي والمالي.
وتابع حسان في تصريحات صحفية عقب اجتماع مجلس الوزراء: "الدولة صار لديها خارطة طريق واضحة لإدارة المالية العامة"، مشيرا إلى أن مشكلة لبنان هي الفساد وإنه دولة داخل الدولة.
وأوضح أن الخطة تنطلق بضرورة البدء فورا بتنفيذ الإصلاحات التي طال انتظارها، مضيفا أنها تستند إلى تدبير دعم خارجي بأكثر من 10 مليارات دولار.
وأكد دياب أنه بهذه الخطة يمكن بناء لبنان المستقبل، سنمضي بطلب مع صندوق النقد الدولي.
كما أوضح أن الخطة تهدف إلى حماية أموال المودعين وتقوية المصارف وإعادة هيكلتها، مشيرا إلى أن الحكومة ستعمل على الإصلاحات الأساسية مثل قطاع الكهرباء.
وأشار حسان إلى أن فيروس كورونا يستنزف الكثير من الجهد، ويراكم الضغوط على الحكومة، قائلا "نحن في أزمة ولكنني على ثقة بأننا سنتجاوزها وسننتصر عليها وسنخرج من هذه المحنة أكثر صلابة".
وقالت وزيرة الإعلام منال عبدالصمد إثر انتهاء الجلسة أن الخطة تعبر عن "الإطار العام للتوجه الإصلاحي للحكومة والتي على ضوئها سيتم أخذ مقررات لاحقا".
وأوضحت أن "الهدف الأساسي هو التفاوض مع الدائنين في الخارج (..) وربما قد ينجم عن التفاوض وفرا بالسيولة يجعلنا نقدم على خطوات مختلفة".
ولم تفصح عبدالصمد عن تفاصيل الخطة، لكنها أوضحت أنها لا تتضمن تحرير سعر صرف الليرة وتحمي حقوق "98% على الأقل من المودعين".
ووفق نسخة أولية من الخطة تمّ تسريبها قبل أسابيع وأثارت انتقادات كثيرة، تقدّر الحكومة حاجة لبنان اليوم إلى أكثر من 80 مليار دولار للخروج من الأزمة والنهوض بالاقتصاد، ضمنها ما بين 10 إلى 15 مليار دولار على شكل دعم خارجي خلال السنوات الخمس المقبلة.
وتأمل الحكومة، العازمة على إعادة هيكلة الدين العام المتراكم، في إقناع المجتمع الدولي الذي اشترط عليها القيام بإصلاحات "سريعة وفعالة" لتقديم أي مساعدة مالية أبرزها 11 مليار دولار أقرّها مؤتمر "سيدر" عام 2018 لهذا البلد الصغير المنهك بسنوات من الأزمات السياسية المتتالية وعقود من الفساد.
واعتبر دياب في مستهل جلسة الحكومة أنه "بإقرار الخطة الاقتصادية نكون قد وضعنا القطار على السكة.. لأنها ستحدد مسار الدولة لإصلاح الواقع".
قال مصدر رسمي لرويترز إن خطة الإنقاذ الاقتصادية اللبنانية التي جرى تمريرها اليوم الخميس تستند إلى سعر صرف 3500 ليرة للدولار.
- "خطوة مهمة"
وفي أول رد فعل دولي على الخطة، غرّد المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش "لقد خطت الحكومة خطوة مهمة نحو الإصلاحات ومعالجة الأزمة المصيرية الراهنة عبر إقرار خطتها الإصلاحية".
وأضاف "الآن على القوى السياسية والمجتمع المدني إبداء رأيهم بالخطة، مما يمهد الطريق للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي وسائر الشركاء الدوليين".
وفي إطار مساعيها لمواجهة الأزمة، طلبت الحكومة في فبراير/شباط الماضي مساعدة تقنية من صندوق النقد. لكن محللين يقولون إنه لا يمكن إخراج لبنان من دوامة الانهيار من دون طلب مساعدة مالية من الصندوق.
والأزمة الاقتصادية الحالية تُعد الأسوأ منذ الحرب الأهلية (1975-1990)، وهي وليدة سنوات من النمو المتباطئ، مع عجز الدولة عن إجراء إصلاحات بنيوية. ويعدّ لبنان من أكثر الدول مديونية في العالم، وتبلغ قيمة ديونه 92 مليار دولار، أي ما يعادل أكثر من 170 في المئة من ناتجه المحلّي.
وفي مارس/آذار الماضي، أعلنت الحكومة التوقف عن سداد الديون الخارجية في إطار إعادة هيكلة شاملة للدين هدفها حماية احتياطيات البلاد من العملة الأجنبية التي تراجعت خلال الأشهر الماضية بشكل كبير.
ويقول علاء خضر (34 عاماً)، وهو موظف في منظمة غير حكومية وينتظر مولودا جديدا، لفرانس برس إنه لا يعلّق آمالاً على خطة الحكومة لأن "العبرة في تنفيذها"، مذكراً بأن الحكومات السابقة "وضعت خططاً كثيرة، لكن الوضع زاد تدهوراً وإفلاساً حتى بلغنا مرحلة باتت الحلول فيها شبه معدومة".
ويضيف الشاب المقيم في طرابلس "بات راتبي بالكاد يكفيني مع عائلتي الصغيرة حتى آخر الشهر (...) وعلى غرار الآلاف في لبنان، أشعر في كل لحظة أنني مهدد بخسارة عملي".
- مواجهات متكررة
وبدأت معالم الانهيار الاقتصادي بالظهور صيف عام 2019، مع بروز سوق موازية لسعر صرف الليرة وشح الدولار، ما دفع بمئات الآلاف إلى النزول إلى الشارع لأشهر عدة رافعين الصوت ضد الطبقة السياسية التي يتهمونها بالفساد ويحملونها مسؤولية أزمتهم المعيشية. وأطاحت المظاهرات بالحكومة السابقة.
وهدأت التحركات نسبياً مع تشكيل حكومة دياب بداية العام الجاري لتقتصر على تحركات رمزيّة أطاحت بها إجراءات الوقاية من فيروس كورونا المستجد الذي تسبب بـ725 إصابة بينها 24 وفاة حتى الآن. وفاقمت تدابير الإغلاق العام في الوقت ذاته معاناة المواطنين.
ومع تفاقم الشلل الاقتصادي، طفح كيل جزء كبير من اللبنانيين بسبب تراجع قدرتهم الشرائية بعدما سجلت الليرة اللبنانية بداية الأسبوع الحالي انخفاضاً قياسياً جديداً في السوق السوداء لتتخطى عتبة أربعة آلاف مقابل الدولار، تزامناً مع ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية بنسبة 55%، حسب تقديرات رسمية.
وبات 45% من اللبنانيين، حسب تقديرات رسمية، يرزحون حالياً تحت خط الفقر، بعدما خسر عشرات الآلاف مورد رزقهم أو جزءاً من رواتبهم خلال الأشهر الستة الماضية.
وعاد مئات الشبان إلى الشارع منذ الإثنين، واشتبك العشرات منهم مع الجيش في مدينة طرابلس، في مواجهات تكررت لثلاث ليال متتالية رشق خلاها المحتجون القوى الأمنية بالحجارة وقنابل المولوتوف اليدوية. وردّ الجيش باستخدام الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي.
وأسفرت المواجهات منذ يوم الإثنين عن مقتل شاب وإصابة عشرات المتظاهرين والعسكريين بجروح.
في مدينة صيدا (جنوب) كما في طرابلس وبيروت وبلدات أخرى، يصبّ المتظاهرون غضبهم على المصارف نتيجة الإجراءات المشددة التي تفرضها على سحب الودائع. وعمد بعض المحتجين إلى تكسير واجهات مصارف عدة أو إلقاء قنابل مولوتوف عليها.