عطور مصر القديمة: علاج قبل الزينة
للعطور أهمية كبيرة في علاج مرض الشيخوخة واستدعاء الذكريات واستخدمها المصريون القدماء في الطقوس الدينية والجنائزية
اكتشاف جديد يربط بين العطور المصرية القديمة وتنشيط مراكز الذاكرة في المخ، وعلاج بعض الأمراض مثل الشيخوخة علاقة قوية؛ إذ إن الكثير منها لم يستخدم للتزين أو التجميل فقط.
وقالا "ريتشاردسون" و"بيلى ووكر-جون" في كتابهما "رحلة باطنية إلى مصر القديمة" "ارتبطت الفلسفة المصرية بالعطور، خاصة عطر اللوتس، ليس باعتباره جزءًا من أدوات الزينة أو لعلاقته بالحب والرومانسية بل لعلاقة العطر بحاسة الشم التي أصبحت ضعيفة إلى حد كبير لدى إنسان العصر الحديث، فبإمكان روائح معينة أن تقوم بتنشيط مراكز الذاكرة في المخ وتصل إلى مناطق مجهولة ومنسية من أزمنة طويلة مثل ذكريات الطفولة البعيدة، بل تستطيع روائح معينة أن تساعد الإنسان على استدعاء الذكريات".
وكان المصري القديم قد ارتبط بالعطور ارتباطًا وثيقًا منذ ولادته حتى وفاته، وتفنن في استعماله في العديد من نواحي الحياة بقصد الزينة أو مواد للتجميل، وكذلك استعمل في الطقوس الدينية في كبرى الاحتفالات ذات الطابع السياسي أو الديني أو الجنائزي، وفي التحنيط، بل كشفت الدراسات الحديثة عن أنه استغل في اكتشاف أبعاد روحانية وعقلية وعوالم أخرى.
وكان المصريون القدماء يخلطون هذه العطور ويستخدمونها مثل الأقماع التي توضع على الشعر المستعار الذي ترتديه النساء، وكانت برائحة ذكية مكونة من مواد دهنية تفوح منها الروائح، وينتشر من قمة رأسها بمجرد تعرضه لحرارة الشمس، أو تحت تأثير حرارة الجسم، فيبدأ بالذوبان ليصل إلى الملابس، ويعبق المكان كله بالعبير.
كما استخدمت هذه العطور كمطهر للفم من خلال خلط العطور بكميات من العسل، في هيئة أقراص كروية صغيرة الحجم، ويتم مضغها كي تضفي من رائحتها الخلابة على أفواههم وأنفاسهم.
واهتمت ملكات مصر القديمة بالجمال وبالعطور والروائح الطيبة، وكان يضرب المثل بنفرتيتي وحتشبسوت وكيلوبترا في الجمال والأناقة وحب استخدام العطور من أغلى أنواعها، وأشهرها هي العطور المصنوعة والمكونة من "الحنة، والمر، والقرفة، والخشب الجنوبي العطري (فحم خشبي) وحب الهال (الحبهان).
وصنّع الإنسان المصري العطور بطريقتين، الأولى: العصر البارد؛ حيث توضع الأزهار مع قليل من الماء في قطعة من قماش الكتان لها طرفان، تمسك به سيدتان لتدور كل منهما عكس اتجاه السيدة الأخرى فيتم عصر الورود في إناء كبير ليسع الكمية المعصورة ليتم حفظها في أوانٍ خزفية وفخارية.
أما الطريقة الثانية فكانت بوضع الورود في إناء فخاري صغير وحرقه لإعطاء رائحة عطرة للجو، وكانت العطور تصنع داخل معامل خاصة ملحقة بالمعابد.
وتمتعت بعض أنواع الزيوت بدرجة عالية من الجودة، فبعد 3,300 سنة وعقب موت الملك توت عنخ آمون كان بالإمكان اكتشاف أثر لطيب منبعث من مراهم في قوارير مختومة بإحكام عندما فتح القبر؛ إذ إن الفراعنة وضعوا عطورًا في قبورهم ليحافظوا على جلودهم.
وتعد لوحة الزيوت السبعة التي وجدت بالجيزة في مقبرة (عنخ حا اف) أشهر المكتشفات الأثرية في صناعة العطور، وكانت هذه الزيوت تستخدم في مراسم تحنيط المتوفى، وكان يتم كتابة اسم الزيت المقدس بالحبر الأسود.
وأكدت مديرة المركز القومي للبحوث العلمية في فرنسا جينفياف بيرجيه، أن الباحثين العاملين في المركز استطاعوا أن يبرهنوا على أن المواد المستخدمة في العطور المصرية القديمة لم تكن قاصرة على مجال التجميل، وإنما كان لها دورها الفعال في علاج بعض الأمراض خاصة أمراض الشيخوخة.