حكومة الجزائر.. استقالة ثم تصريف أعمال
قدم رئيس الوزراء الجزائري عبدالعزيز جراد، اليوم الخميس، استقالته إلى رئيس البلاد عبدالمجيد تبون الذي كلفه بتصريف الأعمال.
وبعد ساعات من صدور النتائج النهائية للانتخابات النيابية، قدمت الحكومة استقالتها رسمياً للرئيس الجزائري.
وبث التلفزيون الجزائري الحكومي مراسم تقديم رئيس الوزراء عبدالعزيز جراد استقالته واستقالة أعضاء الحكومة للرئيس تبون، الذي كلفهم بتصريف الأعمال حتى الإعلان عن الطاقم الحكومي الجديد.
وأشارت الرئاسة الجزائرية إلى أن استقالة الحكومة جاءت طبقاً لأحكام الدستور الجديد، إذ ينص في مادته الـ113 على أنه "يمكن للوزير الأول تقديم استقالته لرئيس الجمهورية".
يأتي ذلك، بعد ساعات فقط من إعلان المجلس الدستوري الجزائري النتائج النهائية للانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت منذ نحو أسبوعين.
وأعلن رئيس المجلس الدستوري كمال فنيش، مساء الأربعاء، النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية التي جرت في 12 يونيو/حزيران الماضي بعد دراسة الطعون والفصل فيها بـ8 محافظات حيث بلغ عددها 361 طعناً قدمتها القوائم المستقلة والأحزاب، رُفض منها 300 طعن بعد فحصها.
وبموجب ذلك، قرر المجلس تعديلا جزئياً على النتائج الأولية مع محافظة التشكيلات السياسية على مراكزها كما ورد في النتائج الأولية المؤقتة.
وفي هذا الصدد، ألغى المجلس 7 مقاعد للمتصدر حزب "جبهة التحرير" الذي ترأسه سابقاً الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، حيث بات يملك 98 مقعدا فقط رغم حصوله على 105 مقاعد في النتائج الأولية.
كما ارتفع عدد تمثيل المستقلين في البرلمان من 78 مقعدا إلى 84 مقعدا نيابياً، فيما خفّض مقعدا لما يعرف بـ"حركة البناء الوطني" الإخوانية إلى 39 مقعدا، وزاد مقعدا واحدا لما يعرف بـ"حركة مجتمع السلم الإخوانية"، وحافظت بقية الأحزاب والتيارات على النتائج المعلن عنها من قبل سلطة الانتخابات.
عُرف سياسي
وباستقالة الحكومة الجزائرية بهذا التوقيت، يكون الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون قد "خالف" من سبقوه من رؤساء الجزائر، إذ جرت العادة وفق "عُرف سياسي" استقالة الحكومة وتكليف طاقم وزاري جديد في نفس يوم تنصيب البرلمان المنتخب.
الحكومة "الرئاسية"
وبناء على النتائج التي أفرزتها الانتخابات النيابية الأخيرة، فقد نتج عنها "أغلبية رئاسية" وفق مقتضيات الدستور التي تُعطي "الصلاحية الحصرية" لرئيس البلاد في تعيين "وزير أول" واقتراح أسماء الوزراء الجدد، كما لا يحق لرئيس الوزراء المعين إقالة أو تعيين أي وزير إلا باستشارة رئيس الجمهورية.
ولم تتمكن أي تشكيلة سياسية في البرلمان الجديد من الحصول على الأغلبية المطلوبة قانوناً لتشكيل الحكومة أو ما يعرف دستورياً بـ"الأغلبية البرلمانية"، والتي تحدد بـ205 مقاعد برلمانية.
وتنص المادة 93 من الدستور الجزائري على أن "يعين رئيس الجمهورية أعضاء الحكومة بعد استشارة الوزير الأول".
و"للوزير الأول" بالجزائر "صلاحيات محدودة" تتمثل في عملية التنسيق بين الوزراء ورئيس البلاد، وترؤس اجتماعات للحكومة التي تُطبق برنامج رئيس الجمهورية، وتوزيع الصلاحيات على الوزراء، وتوقيع المراسيم التنفيذية.
ولا يحق لها طرح برنامج خاص بها بل يلزمها الدستور بـ"خطة عمل حكومية من برنامج رئيس البلاد" تعرضها للمناقشة والتصويت على مجلس الوزراء ثم غرفتي البرلمان (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة) وتباشر مهامها بعد حصولها على موافقة أغلبية أعضاء الغرفتين التشريعيتين.
كما لا يمكن للوزير الأول تعيين أو إقالة الوزراء "إلا بالتشاور مع رئيس الجمهورية" الذي يقترح أيضا أسماء تقود وزارات الحكومة.
ويمنع الدستور الجديد على رئيس الجمهورية أن يفوض صلاحياته وسلطته للوزير الأول في اللجوء إلى الاستفتاء، وحل المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الثانية من البرلمان)، وتقرير إجراء الانتخابات التشريعية قبل أوانها.
أما "رئيس الحكومة" فهو منصب يتقاسم فيه مع رئيس البلاد تسيير شؤون البلاد، ويعطي الدستور الصلاحية الكاملة لرئيس الحكومة بتعيين جميع الوزراء باستثناء الوزارات السيادية التي تبقى من صلاحيات رئيس الجمهورية، وهي: الدفاع والخارجية والداخلية والمالية والعدل، كما تقدم الحكومة برنامج عمل خاص بها.
حكومة "فيها وعليها"
وجاءت استقالة حكومة عبد العزيز جراد بعد 18 شهرا من مهامها التي باشرتها في يناير/كانون الثاني 2020 عقب تسلم الرئيس عبد المجيد تبون مقاليد الحكم بالجزائر، وكانت أول حكومة بالعام الأول من ولايته الرئاسية.
وخلال الفترة ذاتها، أجرى تبون "عمليتين جراحيتين" على حكومته، احتفظ خلالها عبد العزيز جراد بمنصبه على رأس الحكومة خلال التعديلين الجزئييْن.
بالإضافة إلى احتفاظ وزراء الوزارات السيادية على رأسها الخارجية التي قادها صبري بوقادوم والداخلية التي حافظ فيها كمال بلجود على منصبه في التعديلين، وكذا بلقاسم زغماتي وزيرا للعدل.
وجرى التعديل الأول في يونيو/حزيران 2020، ثم في فبراير/شباط الماضي، أطاح خلاله الرئيس الجزائري بـ10 وزارات وقلّص عدد الوزارات إلى 36 وزارة بعد أن كانت 39 غداة تعيينه أول حكومة في عهده.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، وجّه الرئيس عبد المجيد تبون انتقادات مبطنة لحكومته، واستعمل خلالها جملة باتت منذ ذلك الوقت تطلق على حكومة عبدالعزيز جراد.
وقبيل عودته إلى ألمانيا لاستكمال العلاج من مضاعفات فيروس كورونا وإجراء عملية جراحية على رجله اليمنى، وصف تبون حكومته بـ"فيها وعليها".
وقصد الرئيس الجزائري بذلك انتقاد جزء من طاقمه الحكومي والثناء على جزء آخر، دون أن يحدد القطاعات التي قصدها، قبل أن يتضح في التعديل الحكومي الثاني "الوزراء المغضوب عليهم رئاسياً"، كان من بينهم وزراء الصناعة والطاقة والموارد المائية والتعليم العالي والبحث العلمي (الجامعات).
ويُحسب لحكومة عبد العزيز جراد -حسب الخبراء الاقتصاديين- قدرتها على تسيير أزمة جائحة كورونا واتخاذها عدة إجراءات استعجالية صحية واقتصادية، احتوت من خلالها انتشار الوباء، كان من أبرزها فرض حجر صحي عام بالبلاد لنحو عام كامل، وإغلاق كافة الحدود البرية والجوية والبحرية، وتوفير المستلزمات الطبية من الكمامات والمطهرات وأجهزة الأكسجين.
ورغم التبعات الثقيلة للجائحة التي كبدت الاقتصاد الجزائري خسائر بـ10 مليارات دولار وفق أرقام رسمية، إلا أن الحكومة الجزائرية المستقيلة اتخذت قرارات وُصفت بـ"الجريئة"، اتسمت بـ"تخفيف التبعات الاجتماعية والاقتصادية" للمواطنين، كان من أبرزها تجميد دفع الضرائب فترة الجائحة، وزيادة في معاشات المتقاعدين بنسبة 7 %، ورفع الأجر الأدنى.
إلا أن حكومة "جراد" واجهت عدة تحديات وانتقادات حتى من رئيس البلاد، خصوصاً بعد عجزها عن احتواء أزمات قالت عنها السلطات الجزائرية بأنها "مفتعلة من قبل فلول النظام السابق" واصطلح عليها بـ"الثورة المضادة".
وشهدت الجزائر خلال فترة حكومة عبد العزيز جراد عدة أزمات وحوادث، أكبرها حرائق الغابات العام الماضي التي امتدت من غرب إلى شرق الجزائر وأتت على آلاف الهكتارات من الغابات، وكذا ندرة السيولة المالية في المصارف والبنوك الحكومية، والانقطاعات المتكررة في المياه والكهرباء والأنترنت، وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية في المناسبات الدينية، وسط عجز حكومي في التحكم بالسوق المحلية.