مستشار حميدتي يكشف لـ"العين الإخبارية" أسباب توقف مسار جدة ويضع "روشتة" الحل
تطورات مختلفة الحدة والسرعة على رقعة الأزمة السودانية، تخلق وضعا معقدا وعصيا على التفكيك والفهم، تتشابك فيه الأحداث والأطراف.
المستشار السياسي لقائد قوات "الدعم السريع" يوسف عزت حاول، في مقابلة مع "العين الإخبارية"، تفكيك المشهد السوداني وإضاءة مواقف وأحداث مهمة من التطورات الميدانية إلى مسار التفاوض في جدة، مرورا بخطر الإخوان.
ومن قبله حاورت "العين الإخبارية" نائب رئيس مجلس السيادة السوداني مالك عقار، حول جملة من الملفات الشائكة في الأزمة السودانية، وهو ما يظهر في الرابط أدناه:
فعلى صعيد المعارك المستمرة منذ الخامس عشر من أبريل/نيسان الماضي، قال مستشار محمد دقلو الملقب بـ"حميدتي" إن قوات الدعم السريع، منذ بدء الأزمة "شهدت تحولات كبيرة بما فيها المعركة ذاتها، حيث يتحدث الناس عنها كقبيلة وهذا نوع من دعاية الحرب، لكن عمليا على الأرض هناك ضباط وجنود من الجيش انضموا إلى صفوفنا".
وأضاف "كما أن قيادات بارزة، مثل المك عبيد أبوشوتال وأبوعاقلة كيكل، أعلنت انضمامها، وهذه قيادات لها وزنها وقوتها ولها وجودها وهناك كثيرون جدا انضموا حتى من الشمال والوسط لكن دون إعلان لأسباب معروفة في ظل الكراهية الموجودة والتخوين".
وأشار إلى أن "المعركة الآن ليست بين الدعم السريع والجيش"، لافتا إلى أن قواتهم أعلنت منذ البداية "عدم محاربتها الجيش، بل محاربة العصبة التي اختطفت قرار الجيش".
واستطرد: "أدرك الكثيرون من شرفاء الجيش هذه الحقيقة بعد اكتشاف وضعهم الصعب (...) والآن بدأت تظهر كتائب الإسلاميين (في إشارة منه لقيادات الإخوان في النظام السابق)".
ونوّه بأن "المعركة الآن واضحة بين الإسلاميين والقوى الوطنية التي تسعى لبناء دولة مدنية أساسها التسامح والديمقراطية والحريات تجمع بين كل السودانيين ولا تفرق بينهم، ومهما استمرت الحرب فإن المسار الوحيد فيها هو الانتصار في الميدان وهزيمة الإسلاميين".
ويقول مراقبون إن خطوات التيار الإسلامي -على رأسه الإخوان- نحو محاولة العودة إلى المشهد السياسي في السودان ظهرت مبكرا، لعل أبرزها الإعلان عن انطلاق "حركة المستقبل للإصلاح والتنمية"، في أكتوبر/تشرين الأول 2019.
وفي أبريل/نيسان 2022 وقعت 8 كيانات سياسية سودانية على وثيقة تأسيس لتحالف جديد تحت اسم "التيار الإسلامي العريض"، لتحقيق الاندماج التنظيمي بينها.
وضمّ الكيان المعلن عنه الحركة الإسلامية وجماعة الإخوان وحركة الإصلاح الآن، بالإضافة إلى حزب دولة القانون والتنمية، ومنبر السلام العادل.
وفي مارس/آذار الماضي، ظهر القيادي في النظام السوداني المعزول علي كرتي في ولاية الجزيرة وسط السودان، حيث خاطب حشدا من أنصار حزبه المحلول "المؤتمر الوطني"، الأمر الذي أثار جدلا وقتها حول السماح له بعقد مثل هذا التجمع.
الحل السياسي
وفي معرض رده على سؤال حول طبيعة الحل الذي يحتاجه السودان، أجاب: "حتى لا تقع أخطاء ثانية، يحتاج ذلك إلى خطاب سياسي واضح وموقف واضح أيضا من الحرب الراهنة ومعالجة أسباب النزاع".
وأشار إلى أن قوات الدعم السريع "مع وحدة السودان تحت أي ظروف".
وعن المسار التفاوضي، قال مستشار حميدتي إنه "لا يزال مستمرا مع قيادات الجيش رغم أن وضعها الآن صعب".
لكنه أكد، في الوقت ذاته، أن "خيار التفاوض يظل مفتوحا، ومتى ما توفرت الإرادة لوقف الحرب فإن الدعم السريع والقوى المساندة له ستستجيب لخيار السلام".
وأكد عزت أن "الحل السياسي لا ينبغي أن يقتصر على وقف النزاع في الخرطوم فقط، وترك الأمور تشتعل في جبال النوبة (جنوب كردفان) ودارفور، وإنما لا بد من معالجة أسباب الحرب بين كل السودانيين، والإجابة على سؤال لماذا يتقاتل الناس منذ عقود من الزمن؟".
وفي هذا الصدد، دعا إلى "إيجاد أسباب موضوعية ومقنعة، وأنه لا بد من الاعتراف بهذه الأسباب حتى تنتهي الأزمة".
وبالعودة لمسار المفاوضات، أوضح عزت أن "المفاوضات الراهنة في جدة ليست عملية سياسية، بل كانت فكرة لوقف إطلاق النار ومن ثم بدء العملية السياسية والتفاوض حول القضايا السياسية، ونحن ذهبنا إلى المنبر بهذا الفهم، وهو أن تتوقف الحرب في أسرع فترة ممكنة دون خسائر ودون الاستمرار لفترة طويلة، وأن يحصل تفاوض بمشاركة السودانيين بكل قواهم السياسية والمجتمعية ووضع أسس لوقف الحرب".
وهنا، اتهم مستشار حميدتي الجيش بأنه "غير جاد ومُسيطَر عليه ولديه أجندة، وأن الحركة الإسلامية (الإخوان) هي التي تسيطر على قراره عبر ضباطها بالداخل وبشكل علني عبر كوادرها القيادية واستنفارها، وتريد تكسير الجيش وبناء جيش جديد على أنقاضه".
وأكد أن الإخوان يريدون "السيطرة بشكل كامل على المؤسسة العسكرية بحجة التعبئة للحرب واستقطاب عناصر جديدة وأدلجتها"، مشيرا إلى أن "شرفاء الجيش ضحايا لهذه الرؤية".
ومضى موضحا: "الحركة الإسلامية المتطرفة بقيادة علي كرتي والآخرين هي التي دفعت باتجاه الحرب وأجندتها، والآن يتحدثون عن انتصارات وهمية ويحاولون بناء جيش جديد على أنقاض الجيش المنهار واستقطاب شباب السودان باسم القبائل والجهوية وكل شيء واستقطاب قوى جديدة تخضع لهم".
أسباب توقف مسار جدة
وحول الأسباب التي أدت إلى إيقاف التفاوض في منبر جدة، قال يوسف عزت: "أولا: هناك مطالب غير مقنعة أو غير موضوعية أصلا مثل إخلاء المقرات الحكومية، وعندما نسأل عما هي هذه المقرات نجد أنها مقرات الجيش التي تسيطر عليها الدعم السريع وكذلك الارتكازات العسكرية، بشكل آخر هذا المطلب يعني إخلاء الخرطوم".
مطلبٌ اعتبره مستشار قائد الدعم السريع "ليس تفاوضيا، لأنك تتفاوض وفقا للأوضاع الميدانية الموجودة وحل المشكلة وبناء الجيش الواحد، أي حول قضايا لها علاقة بالأزمة، وليس تحقيق الانتصار العسكري خلال التفاوض".
ومضى قائلا "إذا كنت تريد انتصارا عسكريا فلا بد أن تحققه على أرض الواقع، لذلك كانت مطالب تعجيزية وغير موضوعية وغير ممكن التفاوض حولها".
إضافة إلى ذلك، فإن "وفد الجيش منقسم، ولديه أكثر من قيادة وتوجه، هناك أشخاص يسيرون في اتجاه وقف إطلاق النار أو الهدنة، وهناك آخرون ضد الهدنة، وهناك قرارات صغيرة جدا متعلقة بكلمة أو نص وأشياء صغيرة جدا"، يتابع عزت.
وأكمل "كما أن رئيس الوفد (الجيش) ليس باستطاعته حسم تلك الأمور إلا بالرجوع إلى قيادته في الداخل، وهنا ممكن أن تأخذ المسألة أياما".
ولذلك يرى مستشار حميدتي أن "الجيش ليس لديه خارطة واضحة للتفاوض وأهداف واضحة من أجل تحقيقها، فهو خرج للتفاوض في ظروف لا تمكنه من قراءة الوضع بشكل جيد، ويرغب في تحقيق انتصارات عسكرية لعكسها في طاولة التفاوض".
هروب "الكيزان"
وحول هروب قيادات إخوانية من السجون خلال فترة الصراع الجاري، اعتبر المستشار السياسي لقائد قوات الدعم السريع أن ذلك "جزء من الخطة، وهو ما ترجمه حديث القيادي الإسلامي أنس عمر، والذي سبق أن قال إن قياداتنا (الإخوان) ستخرج محمولة على الأكتاف".
واستطرد: "يوم 15 أبريل/نيسان رتبوا لساعة الصفر وتخيلوا هزيمة الدعم السريع في فترة زمنية تتراوح ما بين 5 ساعات و3 أيام وإخراج قياداتهم من السجن وإعادة نظامهم وتنظيم احتفالاتهم".
وتابع: "عندما فشل الانقلاب وقابلوا قوة لم يكونوا يضعونها في الحسبان، مهدوا لفتح سجن الهدى وإطلاق كل المجرمين وأطلقوا دعاية أن الدعم السريع هي التي أطلقتهم، رغم أننا غير موجودين في تلك المنطقة".
وأضاف: "لكن أنا أعتقد أن هذه القيادات (قيادات النظام السابق) مستنفدة في أي عمل سياسي، والناس كلها تعرف تاريخها وهو تاريخ قريب وحاضر في الذاكرة السودانية، ولا يمكن أن يكونوا جزءا من صناعة مستقبل أو قيادة مستقبل وعادوا إلى ذات الخطاب وهو الدم والقتل والحشد القبلي والعنف".
وزاد "هذه القيادات ليس لها أي مستقبل، وإذا انتصرت هذه القيادة انتهى البلد وهذا هو الخطر".
دولة المساواة
وفي المقابلة التي أجراها مراسل "العين الإخبارية" بالخرطوم، تطرق عزت لـ"ممارسات الإخوان واستقطابهم القبلي وإدخال البلاد في حرب أهلية مهدد خطير لوحدة السودان".
وفي هذا السياق، قال إن "وحدة السودانيين تهم كل السودانيين الشرفاء، بالتالي الحفاظ على هذه الوحدة أو ما تبقى من السودان يهم الكل.. الإسلاميون (الإخوان) فصلوا جنوب السودان ويمارسون حاليا ذات الممارسات التي أدت لذلك".
وأكد أن "وحدة السودان لا تُبنى على القهر والظلم، وغياب العدالة والاستعلاء وكل أشكال الممارسات القديمة".
وشدد على أن "أي بناء لدولة سودانية جديدة لا بد أن يقوم على أسس جديدة ومساواة"، معتبرا أن هذه القيم "هي التي توحد السودانيين، وليس الوحدة بشكل قهري واستخدام القوة ضد الشعب منذ عقود وهزيمة أي تطلعات مشروعة له باعتبارها تمردا".
واتهم مستشار حميدتي الجيش بأنه "يمارس القهر ضد شعب السودان والأطراف المتطلعة للمشاركة في قرار الدولة والتنمية والمساواة ولديها مظالم".
ولهذا أوضح أن "الحفاظ على وحدة السودان تُبنى على هذه الأشياء والاعترافات ومعالجة جذور الحرب، ومطالب الريف السوداني كله، ونحن مع وحدة السودان".
ومنذ 15 أبريل/نيسان الماضي، يشهد السودان معارك طاحنة بين الجيش وقوات الدعم السريع، تتركز في الخرطوم وأم درمان، وفي إقليم دارفور.
وأسفرت المعارك عن مقتل نحو أربعة آلاف شخص، بحسب مشروع بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح (أكليد).
إلا أن الأعداد الفعلية للضحايا قد تكون أعلى بكثير، بحسب وكالات إغاثة ومنظمات دولية.
كما أسفر القتال عن نزوح نحو أربعة ملايين شخص، وفق أرقام الأمم المتحدة.
aXA6IDE4LjE4OC4xNzUuNjYg جزيرة ام اند امز