قيادي بـ"الحرية والتغيير": إما وقف الصراع بالسودان وإما الانزلاق لسيناريوهات صعبة
وسط القتال، تبرز تحركات الأطراف المتحاربة، وتتوارى إلى الخلفية أدوار المدنيين، باستثناء المعاناة، لكن من يعاني لابد أن يكون له كلمة.
وفي هذا الإطار، تحدث القيادي بالحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم السابق بالسودان)، شريف محمد عثمان، في مقابلة مع "العين الإخبارية"، عن الأزمة الحالية، والقتال الدائر في مدن البلاد، وكيفية الخروج من المأزق الدموي.
وأكد عثمان، عمل تكتله مع دول فاعلة في المنطقة ومؤسسات دولية وإقليمية لمحاصرة الأطراف المتقاتلة والضغط عليها للعودة إلى طاولة التفاوض.
جبهة رفض موحدة
عثمان قال إن "خيارات القوى المدنية وتحالف قوى الحرية والتغيير لإيقاف الحرب والعودة إلى طاولة التفاوض تشمل زوايا داخلية تتمثل في العمل في أوساط القوى المدنية وتنظيمات المجتمع المدني ولجان المقاومة وحثهم على بناء الجبهة المدنية الموحدة الرافضة لهذه الحرب والداعية لاستعادة المسار المدني الديمقراطي ومعالجة القضايا الخلافية عبر طاولة التفاوض".
وأضاف: "هذه خطوة نعمل عليها بشكل مباشر وهناك اتصالات وخلال الأيام القليلة المقبلة ستكون اجتماعات ولقاءات ما بين قوى مختلفة من أجل الوصول إلى هذا الهدف".
وتابع قائلا: "المسار الثاني والذي نعمل عليه، هو مسار دول الجوار والعمل مع دول فاعلة ومؤسسات دولية وإقليمية، منها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي".
وأردف السياسي السوداني: "نعمل مع هذه المجموعات في عدد من الأهداف، الأول يتمثل في كيفية محاصرة الأطراف المتقاتلة في العاصمة الخرطوم وممارسة الضغوط الكافية عليهم من أجل العودة إلى طاولة التفاوض، والمسار الثاني يتعلق بالمساعدات الإنسانية للسودانيين".
عودة قريبة للتفاوض
وحول الأسباب التي أدت إلى تعليق المفاوضات في منبر جدة، قال عثمان: "التفاوض كما هو معلوم تم برعاية سعودية أمريكية، والأطراف ناقشت قضايا مختلفة ومتباينة في سبيل الوصول إلى وقف طويل لإطلاق النار لفترة تتراوح ما بين 45 – 60 يوما، وأعتقد أن النقاط العالقة تحتاج إلى أخذ مشورة من قيادات الجانبين."
مردفا بالقول: "أعتقد أنه ستكون هناك عودة قريبة للتفاوض خلال أيام قليلة، وإكمال ما تبقى من مناقشات للقضايا العالقة".
مخاطر كبيرة
وبشأن توقعات الحرية والتغيير بشأن مستقبل العملية العسكرية والسياسية في ظل الأوضاع الراهنة، شدد عثمان على رفض الحرب، مؤكدا بالقول: "هذا ما ظللنا نحذر منه، وأن الحرب تحمل في طياتها مخاطر كبيرة، وواحدة من أهم هذه المخاطر على الإطلاق هو انحدار البلاد إلى قتال قبلي والانزلاق إلى فوضى شاملة".
وأضاف أن "فرص إيقاف الحرب بسرعة ومنع الانزلاق نعمل عليه منذ اليوم الأول لاندلاع هذه الحرب وما قبلها، وفي الاتصالات التي نجريها سواء مع الأطراف المتقاتلة أو المجتمع المدني السوداني، أو مع السودانيات والسودانيين في كل أنحاء العالم، أو مع دول الجوار ودول الإقليم والمؤسسات الدولية والولايات المتحدة الأمريكية".
ومضى قائلا: "ظللنا نناقش كيفية وقف هذه الحرب حتى لا تنزلق البلاد. وهناك خطاب مباشر ومستمر مع السودانيين والسودانيات للوقوف سدا منيعا، كي لا تتحول هذه الاشتباكات إلى حرب أهلية.. أعتقد أن العلاج الناجع والشافي لكي لا ننزلق إلى حرب أهلية هو أن نعمل على إيقاف القتال بأسرع ما يكون".
فوهة البنادق
وحول رؤية "الحرية والتغيير" لمنع الاقتتال القبلي مستقبلا، قال عثمان: "أعتقد أن العملية العسكرية الجارية الآن أثبتت تماما أن الحرب لا تنتهي بفوهة البنادق وحتى من كان يتوهم ذلك ويعد السودانيين بأن هناك ساعة للحسم وأن الأمر سينقضي خلال ساعات أو خلال 3 أيام أو أسبوع أو أسبوعين كما لمحت بعض الجهات التي تدعم هذه الحرب أو القوة المنخرطة فيها، تأكد أن هذه الحرب لا تنتهي على فوهة البنادق وإنما تنتهي عبر التفاوض والعمل السياسي".
المسار الذي نعمل عليه -يضيف عثمان في سياق رؤية الحرية والتغيير- "هو أن تتوقف هذه الحرب بوقف إطلاق النار ومن ثم تنخرط القوى المدنية في إجراء تصور لمعالجة القضايا المتعلقة ببناء الجيش الوطني الواحد والقضايا المرتبطة أيضا بمهام ما بعد الحرب سواء ما يتعلق بدخول المساعدات الإنسانية وإعادة النازحين واللاجئين وإعادة الإعمار، أو القضايا المرتبطة بقضايا الانتقال الجوهرية التي كانت تناقش خلال الفترة من 2019 حتى اندلاع الحرب.. هذه الحرب أوضحت تماما أنها طريق خاطئ ومدمر للنسيج الاجتماعي ويمزق السودان في حال استمرارها".
فلول النظام البائد
وردا على سؤال عن هروب قيادات النظام السابق من السجون وممارسة النشاط العلني، أجاب السياسي السوداني: "بالتأكيد هروب قيادات النظام السابق من السجون وممارسة النشاط العلني يوضح بجلاء من هم الذين رغبوا في اندلاع هذه الحرب من البداية".
متابعا في هذا السياق: "هذه الحرب من أشعلها ومن أججها ومن كان يعمل عليها هم فلول النظام البائد.. هم من راهنوا على أنه لا سبيل للوصول إلى اتفاق بين القوى المدنية والعسكريين حول استعادة مسار التحول المدني الديمقراطي وهم أعلنوا أنهم سيحطمون هذا الاتفاق، وهم من وعدوا السودانيين بهذه الحرب وهذا هو خيارهم منذ اليوم الأول".
واسترسل قائلا: "هؤلاء عملوا على إخراج قياداتهم من السجون، والتي منذ الأيام الأولى صرحت بدعم هذه الحرب وانخرطت فيها، وفعلا انخرط عدد من كتائب الجهاديين وقوات البراء بن مالك فيها، وهذا العمل يوضح أن هناك تواطؤاً من قبل القوات المسلحة مع عناصر النظام البائد"، على حد تعبيره.
واعتبر القيادي السوداني أن "ظهور عناصر النظام البائد في ولايات القضارف وكسلا وبورتسودان واستقبالهم من الولاة والقادة العسكريين وقادة الشرطة في تلك الولايات يوضح بجلاء أن هذه الحرب هم من خططوا لها وأشعلوها".
وعاد القيادي بالحرية والتغيير لجهود تياره لعدم الانجرار إلى الحرب، قائلا: "كنا نتحدث عن عملية إصلاح عميقة للمنظومة الأمنية والأجهزة العسكرية وجهاز الشرطة والقوات المسلحة من التمكين الذي طال هذه الأجهزة وأفقدها مهنيتها وحيادها، وما حدث أثبت بوضوح صدق الدعوة التي ظللنا ندعو بها بأن هذه الأجهزة بها مشاكل كبيرة وهناك تمكين واضح لعناصر النظام البائد".
وفي هذا الصدد أردف: "هؤلاء الأشخاص متهمون بجرائم وهم هاربون من السجون.. الإجراء الطبيعي لمواجهة هذه العناصر المجرمة الإرهابية هو إلقاء القبض عليهم وإدخالهم السجون، ولكن هناك تواطؤا كبيرا داخل المنظومة الأمنية مع هذه المجموعة التي تسعى إلى تحطيم السودان وتمزيقه".
السياسي السوداني أكد أن هذا هو ما ذكرته القوى المدنية في اجتماع القاهرة، مضيفا: "أكدنا أن هذه المجموعة إرهابية بامتياز ويجب حظر أنشطتها وممارساتها السياسية عبر قانون الإرهاب".
سيناريوهات المستقبل
ومتحدثا عن السيناريوهات المتوقعة في استمرار المعارك، قال عثمان: "هناك عدد من المخاطر التي تحيط بالسودان، الخطر الأول أن تتحول هذه الحرب إلى حرب أهلية وأن يصبح القتل على أساس الهوية وعلى أساس الانتماء الإثني، أو الجغرافي أو المناطقي.. هذا خطر كبير".
ونوه في هذا السياق إلى أن "القضية الثانية والخطر الثاني الذي يحيط بالسودان هو درجات الهشاشة الموجودة بين السودانيين ومناطق وأقاليم كثيرة من البلاد تجاه سياسات الدولة المركزية ونزعات الانفصال.. هذه الحرب حال استمرارها ستتطور إلى نزعات انفصالية ويرغب عدد من أقاليم السودان في الانفصال".
أما الخطر الثالث -وفق رؤية السياسي السوداني فهو "تمدد الجماعات الإرهابية والجماعات المتطرفة داخل السودان؛ نموذج كتيبة البراء بن مالك هو نموذج صغير للجماعات الإرهابية والمتطرفة وهي التي ستتطور في حال استمرار هذه الحرب.. تنظيم المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية لهما ارتباطات وثيقة مع الجماعات الإرهابية أيضا".
واستحضر مخاوف أخرى قائلا: "جامعة أفريقيا العالمية كانت تخرج أعداداً كبيرة من قادة الحركات الجهادية في أفريقيا: بوكو حرام وحركة الشباب الصومالية، وأيضا داعش وتنظيم القاعدة.. هذه الجماعات ستجد في السودان ملاذاً آمناً لإدارة أنشطتها والانخراط في الصراع الدائر بغرض السيطرة على الدولة".
ولم تنته الأخطار عند هذا الحد، بل أضاف عثمان: "خطر آخر يحيط بالسودان في حال استمرار هذه الحرب، هو تفكك الدولة الوطنية نفسها وذلك عبر انهيار منظومة القوات المسلحة، وقد يتمزق السودان إلى دويلات متناحرة لا تستطيع تحديد الأطراف المتقاتلة فيها وما هي أجندتها".
عثمان أردف كذلك أن "أحد المخاطر الأخرى هو التدخل الدولي والإقليمي في الشأن السوداني.. في حال استمرار هذه الحرب ستتدخل أطراف لدعم طرف ضد آخر، في ذلك الوقت سيُنتزع قرار السلم من السودانيين لصالح جهات خارجية".
وختم حديثه في هذه النقطة، بالتأكيد على أن "كل هذه المخاطر تحيط بالسودان وتحيط بالسودانيين.. علينا أن نعمل جميعا على إيقاف هذه الحرب بأسرع ما يكون لنجنب السودان هذه الويلات."
المجتمع الدولي
السياسي السوداني تحدث أيضا عن الأدوار الدولية في الحل، وقال إن "المجتمع الدولي والإقليمي يمكنهما لعب أدوار مهمة والمساهمة بفاعلية بجانب السودانيين والسودانيات".
لكنه استدرك قائلا: "بالتأكيد هذه الحرب ستقف بإرادة السودانيين والسودانيات وهم الذين يستطيعون إيقافها، ولكن أيضا نحن نحتاج إلى إسناد ودعم دولي لإيقاف هذه الحرب أولا بعزل الأطراف المتقاتلة من أي دعم خارجي.. هذا الأمر مطلوب".
وشدد على ضرورة "ممارسة الضغوط سواء كانت ضغوطا سياسية أو اقتصادية أو عقوبات من أجل حصار الطرفين ودفعهما للمضي قدما إلى الأمام فيما بدأوه في منبر جدة وهو المنبر المعني بوقف الحرب".
وخلص إلى أنه "بإمكان المجتمع الدولي دعم السودانيين في هذا المسار، ونحن أيضا في حاجة ماسة لتقديم المساعدات للسودانيين والسودانيات، هناك الملايين الآن في حاجة ماسة للغذاء والعلاج والخدمات الصحية... هذا الأمر في مقدور المجتمع الدولي والإقليمي أيضا حله".
aXA6IDMuMTQ1LjM0LjIzNyA= جزيرة ام اند امز