لم يكن متوقعاً أن يسفر مؤتمر باريس عن إضافة جدية في إطار المساعي لتسوية القضية الفلسطينية
لم يكن متوقعاً أن يسفر مؤتمر باريس الذي انعقد بمشاركة 30 دولة وغياب الطرفين الفلسطيني و«الإسرائيلي»، للترويج للمبادرة الفرنسية، عن إضافة جدية في إطار المساعي الرامية لتسوية القضية الفلسطينية، أو التحول إلى خطة عمل دولية للضغط على الكيان، ليس بسبب الموقف «الإسرائيلي» الرافض جملة وتفصيلاً للمؤتمر فحسب، بل بسبب اختطاف المؤتمر برمته وفرض الأجندة «الإسرائيلية» على جدول أعماله، على حساب الحقوق والثوابت الوطنية الفلسطينية.
«تمخض الجبل فولد فأراً»، بهذه العبارة يمكن تلخيص ما آل إليه مؤتمر باريس، الذي لم ينجل سوى عن خيبة أمل فلسطينية جديدة، تضاف إليها بضع توصيات عامة على شاكلة التأكيد على «حل الدولتين»، والتحذير من خطورة استمرار الوضع الراهن، وعدم إيجاد حل للصراع باعتباره منطلقاً لعدم الاستقرار وظهور حركات العنف والتطرف في المنطقة.
كما حملت التوصيات وعداً بعقد مؤتمر يشارك فيه طرفا الصراع مع نهاية العام الحالي، مشفوعاً ببعض الحوافز على صعيد الاقتصاد والتعاون والأمن الإقليميين لإقناع الطرفين بالعودة إلى المفاوضات، والحقيقة أن الطرف المعني بذلك هو الطرف «الإسرائيلي» الذي يسقط من حساباته كل المؤتمرات الدولية ويصر فقط على المفاوضات المباشرة، التي لم تحصد على مدار 23 عاماً سوى الفشل تلو الفشل.
أخطر ما شهدته كواليس المؤتمر هو محاولات حرفه عن البوصلة التي انعقد من أجلها، وفرض الأجندة «الإسرائيلية» عليه عبر التحركات الأمريكية التي قادها وزير الخارجية جون كيري الذي عمل، بحسب مصادر فلسطينية متابعة، على شطب واستبعاد المقترحات التي تضمن الحقوق الفلسطينية، بما فيها حق العودة والانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967، وأبقى على بند التعاون الفلسطيني والعربي «الإسرائيلي» أمنياً واقتصادياً، ما جعل من المؤتمر محفلاً دولياً للتطبيع مع الكيان وليس من أجل حل القضية الفلسطينية. وهذا في الواقع أكثر بكثير مما كانت تنتظره «تل أبيب» الغائب الحاضر في المؤتمر. فحكومة عتاة التطرف والإرهاب الصهيوني ممثلة بتحالف نتنياهو - ليبرمان ليست بوارد «حل الدولتين» ولا أي حل للقضية الفلسطينية، وهي تعمل، رغم رفضها المعلن للمبادرة الفرنسية، على استثمار ما هو مطروح عليها من مبادرات، ليكون جزءاً من المواجهات الإقليمية - الإقليمية دون مقابل، والأهم هو استثمار المناخ الإقليمي والدولي في التغطية على القوانين والتشريعات التي تعمل على سنها، بإخضاع الضفة الغربية للقوانين والتشريعات الصهيونية، أي ضمها عملياً للكيان وإلغاء ما يسمى «الخط الأخضر»، وصولاً إلى التصفية النهائية للقضية الفلسطينية..
*- نقلاً عن جريدة "الخليج" الإماراتية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة