انفراجة في أمريكا.. الشيوخ يقر اتفاقا ينهي أطول إغلاق حكومي بتاريخ البلاد
بعد أسابيع من الشلل الإداري والتوتر السياسي، صادق مجلس الشيوخ الأمريكي مساء الإثنين على اتفاق تسوية شامل ينهي أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة.
ومن شأن هذه الخطوة إعادة عجلة المؤسسات الفيدرالية إلى العمل الطبيعي، بعد توقف دام لأكثر من شهر أثّر على ملايين الأمريكيين وأربك قطاعات النقل والخدمات والمساعدات الاجتماعية.
وجاءت الموافقة بأغلبية 60 صوتًا مقابل 40، في جلسة استثنائية شهدت حضورًا مكثفًا لأعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي، حيث دعمت الأغلبية الجمهورية مشروع التسوية إلى جانب 8 أعضاء ديمقراطيين انضموا للتصويت تأييدًا لإنهاء حالة الشلل التي شلت البلاد منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول.
اتفاق ينهي الجمود السياسي
الاتفاق الذي تم التوصل إليه بعد مفاوضات ماراثونية داخل مجلسي الكونغرس، من شأنه أن يعيد تمويل الوكالات الاتحادية التي توقفت عن العمل منذ الأول من أكتوبر/تشرين الأول، بسبب الخلاف بين البيت الأبيض والكونغرس حول بنود الإنفاق العام.
ويشمل الاتفاق استئناف تمويل جميع المؤسسات الحكومية الأساسية، بما في ذلك وزارات النقل والزراعة والتربية والتعليم والصحة والخزانة.
إضافة إلى البرامج الاجتماعية والغذائية التي يعتمد عليها أكثر من 40 مليون مواطن أمريكي لتأمين احتياجاتهم الأساسية.
كما يمنع الاتفاق أي عمليات تسريح للعاملين الفيدراليين حتى 30 يناير/كانون الثاني المقبل.
ويوقف الإجراءات التنفيذية التي اتخذتها الإدارة خلال فترة الإغلاق والمتعلقة بتقليص القوى العاملة وخفض الرواتب الاتحادية.
وبذلك، يفتح هذا الاتفاق الباب أمام إعادة العمل التدريجي في المؤسسات الحكومية كافة، واستئناف صرف الرواتب المتوقفة منذ أسابيع لعشرات الآلاف من الموظفين في واشنطن وولايات أخرى.
ترامب: «الاتفاق جيد جدًا»
وعقب التصويت مباشرة، أشاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاتفاق، واصفًا إياه بأنه «جيد جدًا»، ومؤكدًا التزامه الكامل بتطبيقه.
وقال ترامب خلال مؤتمر صحفي في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض: «الإغلاق سينتهي قريبًا جدًا، وسنعود للعمل بشكل أقوى. الاتفاق جيد جدًا، وسألتزم بكل بنوده بما في ذلك إعادة الموظفين الفدراليين الذين أُوقفوا عن العمل».
وأوضح ترامب أن الهدف من التسوية هو «إعادة المؤسسات للعمل من دون المساس بالانضباط المالي للدولة»، مشيرًا إلى أن حكومته ستواصل مراقبة الإنفاق الاتحادي لتجنب تراكم الديون بشكل مفرط.
وأضاف الرئيس الأمريكي: «من المهم أن تكون الحكومة قوية ومنضبطة، لكن الأهم أن تكون فاعلة وتعمل لخدمة الشعب الأمريكي».
الخطوة التالية في مجلس النواب
وبعد تمرير الاتفاق في مجلس الشيوخ، ينتقل المشروع إلى مجلس النواب الذي يسيطر عليه الحزب الجمهوري، حيث من المتوقع أن يجري التصويت عليه يوم الأربعاء المقبل.
وأكد رئيس المجلس مايك جونسون في تصريح صحفي أن مجلس النواب سيصادق على الاتفاق «من دون تأخير»، لإرساله إلى البيت الأبيض كي يوقّعه الرئيس ترامب ويصبح قانونًا نافذًا.
وقال جونسون إن الاتفاق يمثل «توافقًا وطنيًا نادرًا» يهدف إلى استعادة ثقة المواطنين في أداء مؤسسات الدولة، وإنه «يضع حدًا لأزمة غير مسبوقة عطّلت حياة الأمريكيين وأثّرت على الاقتصاد الوطني».
تداعيات اقتصادية وإنسانية
وخلال فترة الإغلاق، تعطلت العديد من الخدمات الحكومية الأساسية، وأُجبر مئات الآلاف من موظفي الحكومة على العمل من دون رواتب أو على التوقف مؤقتًا عن أداء مهامهم.
وتأثرت بشدة برامج المساعدات الغذائية والإسكان والرعاية الاجتماعية التي يعتمد عليها ملايين الأمريكيين من ذوي الدخل المحدود.
كما شهدت حركة الطيران الداخلي تأخيرات واسعة بسبب نقص الطواقم الأمنية والإدارية في المطارات، في حين تعطلت بعض المشاريع التنموية والبنية التحتية نتيجة تجميد التمويل الاتحادي.
ومع إقرار الاتفاق، سيُعاد فتح كل الوكالات تدريجيًا، مع توجيه فوري من البيت الأبيض لإعادة الموظفين إلى أعمالهم وصرف مستحقاتهم المتأخرة.
تمويل مؤقت حتى يناير المقبل
وينصّ الاتفاق على تمديد تمويل الحكومة الاتحادية حتى 30 يناير/كانون الثاني 2026، ما يمنح الكونغرس وقتًا إضافيًا لإقرار موازنة سنوية شاملة للعام المالي المقبل.
وبحسب بيانات وزارة الخزانة الأمريكية، سيتيح هذا التمويل استمرار إنفاق حكومي سنوي يبلغ نحو 1.8 تريليون دولار، ضمن موازنة عامة يبلغ إجمالي الدين القومي في ظلها أكثر من 38 تريليون دولار.
ويُتوقع أن تواصل الإدارة الأمريكية خلال الفترة المقبلة مراجعة بنود الإنفاق بما يضمن «الاستدامة المالية»، دون التأثير على برامج الرعاية والخدمات العامة.
وكان الإغلاق الحكومي بدأ مع مطلع أكتوبر/تشرين الأول، بعد خلافات حادة داخل الكونغرس حول أولويات الإنفاق بين الجمهوريين والديمقراطيين، خاصة ما يتعلق ببرامج الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي.
وكان بعض أعضاء الحزب الديمقراطي قد سعوا إلى ربط تمويل الحكومة بزيادة مخصصات الرعاية الصحية التي ينتهي تمويلها مع نهاية العام، إلا أن هذا الشرط لم يُقبل من الأغلبية الجمهورية.
ورغم أن الاتفاق الحالي لا يضمن تمديد تلك المخصصات تلقائيًا، إلا أنه يمهّد الطريق للتصويت عليها في شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل في جلسة منفصلة.
ترامب والانضباط المالي
وخلال الأشهر الماضية، أصدر ترامب قرارات تنفيذية بخفض بعض بنود الإنفاق وإلغاء مليارات الدولارات من الموازنات السابقة، في إطار ما وصفه بـ«إعادة الانضباط المالي».
وشملت هذه الإجراءات تخفيضات في رواتب بعض الموظفين الفدراليين وتقليص النفقات التشغيلية في عدد من المؤسسات، وهو ما أثار حينها جدلاً داخل الكونغرس حول صلاحيات الرئيس في الشؤون المالية.
لكنّ ترامب دافع عن قراراته مؤكدًا أن الهدف هو حماية الاقتصاد الأمريكي من التوسع غير المنضبط في الديون، وتعزيز كفاءة الإنفاق الحكومي.
بداية مرحلة جديدة
وتُعدّ المصادقة على هذا الاتفاق نقطة تحوّل في المشهد السياسي الأمريكي، إذ أنهت حالة الشلل الإداري التي استمرت لأسابيع، وأعادت الثقة إلى المؤسسات التشريعية والتنفيذية في قدرتها على التوصل إلى حلول توافقية رغم الخلافات الحزبية.
ومن المتوقع أن يؤدي توقيع ترامب على القانون خلال الأيام المقبلة إلى استئناف العمل الكامل للحكومة الاتحادية وعودة الحياة الإدارية والاقتصادية إلى طبيعتها تدريجيًا في مختلف الولايات الأمريكية.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTU0IA== جزيرة ام اند امز