تعتبر الأقطار العربية من بين أكثر الدول حاجة إلى تطوير البحث العلمي والمراهنة عليه في تنميتها.
ينطوي البحث العلمي على أهمية قصوى في عالم اليوم، ولذلك يشهد اهتماماً واستثماراً متزايدين من قبل الدول المتقدمة، وتخصص له إمكانات مالية وتقنية وبشرية هائلة، باعتباره خياراً استراتيجياً لتجاوز مختلف الإكراهات والتحديات، داخلياً وخارجياً.
وتعتبر الأقطار العربية من بين أكثر الدول حاجة إلى تطوير البحث العلمي والمراهنة عليه في تنميتها، ولتجاوز مختلف الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها، نظراً للوضعية المزرية التي يتخبط فيها هذا القطاع بهذه الدول، وللفرص الكبرى التي يمكن أن يتيحها لمساعدتها على تجاوز مختلف أزماتها وتحسين أوضاع شعوبها.
إن تكلفة تهميش البحث العلمي باهظة بكل المقاييس، ذلك أن الانفتاح على مخرجاته هو مدخل حقيقي لعقلنة القرارات وتجويدها، وتجاوز الارتجال في التعاطي مع عدد من القضايا والملفات الشائكة بكفاءة ونجاعة.
وتشير الكثير من التقارير والمعطيات الإحصائية إلى حجم الهوة التي تفصل البحث العلمي في المنطقة العربية عن مثيله في الدول المتقدمة. وتتباين الإشكالات التي يعانيها البحث العلمي في المنطقة بين التمويل الهزيل الذي غالباً ما يتأتي من القطاع العام بشكل محوري، وهشاشة الإطار القانوني الداعم لإحداث المراكز والمؤسسات التعليمية، وعدم الانفتاح على التكنولوجيا الحديثة في هذا الصدد، إضافة إلى عدم استحضار مخرجات مختلف الجامعات والمراكز العلمية في عملية صنع القرار، وهو ما جعل عدداً من دول المنطقة العربية متخلفة في هذا الصدد، مقارنة بمثيلاتها في آسيا وأمريكا اللاتينية.
وضمن السياق نفسه، تشير مختلف الدراسات والأبحاث والتقارير، إلى أن عدداً من الجامعات العربية تعيش حالة من التردي على مستوى المناهج والمضامين والمخرجات، كامتداد للأوضاع المأزومة التي تطبع البحث العلمي في هذه الأقطار.
إن الوضعية تفرض تكثيف الجهود من أجل تطوير أداء هذه المؤسسات على طريق التأسيس لمعرفة عقلانية ومنتجة وخلاقة، تنبني على رؤية استراتيجية متفاعلة مع الواقع المحلي ومع تحديات المحيط، وقادرة على إعداد جيل قادر على الابتكار والمبادرة وطرح الأسئلة.
ولا تخفى العوامل الذاتية في تعميق هذه الأزمة، من حيث ضعف ثقافة العمل الجماعي داخل المؤسسات الجامعية والبحثية، وهزالة الإنتاج في مختلف العلوم الاجتماعية ، وضعف انخراط القطاع الخاص في تمويل المشاريع البحثية، علاوة على تفشي بعض السلوكات المسيئة للبحث العلمي، كما هو الشأن بالنسبة للسرقات العلمية التي يتورط فيها بعض «الباحثين».
وعلى الرغم من أن معظم الدول العربية، أصدرت قوانين وتشريعات لحماية حق الملكية الفكرية، كمدخل للحد من تنامي هذه الظاهرة التي تطورت بشكل مذهل مع انتشار استخدام شبكة الإنترنت، فإن الواقع يبرز عدم صرامتها وفعاليتها على مستوى الواقع، سواء من حيث تعقد المساطر القضائية، أو التأخير في البت، أو عدم تنفيذ الأحكام، أو عدم نجاعة هذه الضوابط والتشريعات في ردع الجناة، ما يجعل هؤلاء في مأمن من أية إجراءات عقابية زجرية، رغم ما يلحقون بضحاياهم من إساءة وأضرار مادية ومعنوية كبيرة.
ولعل هذا ما يفرض تفعيل هذه النصوص وتحريكها بالصرامة الكفيلة برد الاعتبار لضحايا هذه العمليات بصفة خاصة، وللبحث العلمي وللجامعة من جهة أولى، ثم البحث من جهة ثانية عن سبل جديدة لمواجهة هذه الظاهرة في حالة ثبوتها، من خلال العمل على فضح هذه السلوكات المنحرفة على نطاق واسع.
وتشكل الجامعات منارة للعلم والمعرفة، فهي فضاءات لتعلم واستيعاب سبل البحث والتحصيل، وتمكين الطلاب من التسلح بالمنهجية العلمية وأصول المعرفة وأخلاقياتها البحث.
إن السرقات العلمية هي أعمال مشينة تنطوي على استعمال حقوق الملكية الفكرية للغير على نحو غير مشروع، وعلاوة عن كونها سلوكاً لا أخلاقياً، فهي عمل غير قانوني تجرمه مختلف التشريعات الوطنية، والاتفاقيات الدولية، يتنافى مع أبسط الحقوق التي كفلتها التشريعات المحلية والدولية للإنسان، حيث تشير الفقرة الثانية من المادة 27 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى أن «لكل فرد الحق في حماية المصالح الأدبية والمادية المترتبة على إنتاجه العلمي أو الأدبي أو الفني».
وإضافة إلى الأضرار المادية والمعنوية التي تلحقها هذه الظاهرة بالمؤسسات الجامعية، فإنها تعرقل تطور تأليف ونشر وتوزيع الكتب والمجلات.
وفي الوقت الذي قامت فيه العديد من الدول في السنوات الأخيرة بإصدار قوانين صارمة في هذا الشأن، وسهرت على فرض احترامها وحسن تطبيقها، صوناً لحقوق المؤلف الأدبية والعلمية والفنية والمادية، بالشكل الذي انعكس بالإيجاب على مسيرة التنمية بهذه البلدان، إنْ على الصعيد الاقتصادي أو الصناعي أو التكنولوجي أو العلمي، فإن مجمل الدول العربية ما زالت بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود في هذا الإطار.
إن غياب، أو قصور حماية الحقوق المرتبطة بالملكية الفكرية، تترتب عنه نتائج وخيمة بالنسبة إلى الضحية من حيث حرمانه من حقوقه المشروعة، وإحباطه وقتل مواهبه في مجالات البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني، ولذلك تنطوي حماية هذه الملكية بكل عناصرها وصورها الصناعية والأدبية والفنية المرتبطة بحق المؤلف، على أهمية كبرى، باعتبارها أساساً لمواجهة مظاهر القرصنة والاعتداء على حقوق المبدعين والمفكرين والباحثين.. وتحفيزاً على الإبداع في مختلف المجالات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة