"العبودية المختارة" في ترجمة جديدة عن دار الساقي
مقالة كتبها فتى في الـ 16 أو 18 من عمره ونُشرت عام 1576 أي قبل ما يقرب من 4 قرون لكنها لا تزال محتفظةً براهنيّتها ومواجهتها للاستبداد
بترجمة جديدة، أنجزها صالح الأشمر، صدرت مقالة «العبودية المختارة» للكاتب الفرنسي دو لا بويسي. مقالة كتبها فتى في السادسة عشرة أو الثامنة عشرة من العمر، ونُشرت عام 1576، أي قبل ما يقرب من أربعة قرون، لكنها لا تزال محتفظةً براهنيّتها وتماسكها وطرحها لحل إنساني في مواجهة مشكلة السلطة والتسلط، وتمثل "مرافعة قوية ضد الطغيان" والاستبداد.
تطرح "مقالة العبودية المختارة مسألة شرعية الحكام الذين يسمّيهم الكاتب "أسيادًا" أو "طغاة"، مهما كانت طريقة وصولهم إلى السلطة، سواء بالقوة أو الوراثة أو الانتخاب. في موضوع خضوع الشعوب غير المفهوم لـ"شخص واحد" لم يكتب يوماً بحثٌ أوثق صلةً ولا أكمل من هذا البحث.
مقالة "العبودية المختارة" هي أهم وأشهر أعمال دو لا بويسي إن لم تكن الوحيدة والتي اشتهر بها، ويُعتقد تبعاً لادعاءات مونتيني أن لا بويسي كتب هذه المقالة في عام 1549 أي وهو في الثامنة عشرة من عمره، لكن المراجعات الأخيرة تؤكد أنه "من المرجح أنه تمت كتابة الخطاب في 1552 أو 1553 أي وهو في عمر الثانية والعشرين، حينما كان في الجامعة".
والأرجح أن لا بويسي كان قرأ مقالة «العبودية المختارة» على بعض أقرانه في جامعة أورليان فاستنسخوها ووزعت المقال بشكل خاص ولم تُنشر حتى 1576 بعد وفاة لا بويسي. ولمَّا صار بعض هؤلاء المستنسخين في عداد الكالفينيين، اقتبسوا أجزاء من هذه المقالة في كتاباتهم، مع تصاعد العداء واستحكامه، واستخدموها لأغراض سياسية. لكن استتباب الأمر للحكم الملكي، خلال القرن السابع عشر، جعل مقالة «في العبودية المختارة» نصاً لا يلتفت إليه إلا قلّة من القراء، وكان قدرها ألا تظهر منشورة إلا في ظل «مقالات» مونتيني، حتى العام 1835، إذ نشر النّص على حدة.
وفي هذا المقال يهاجم النظام الملكي المطلق والطغيان بوجه عام مكافحةً للديكتاتور، وفي حديث عن العبودية الطوعية. وفي المقال يؤكد أن الطغاة لديهم السلطة لأن الشعب أعطاها لهم. وقد تم التخلي عن الحرية مرة من قبل المجتمع، وبقيت بعد ذلك متخلى عنها وفضل الشعب الرق على الحرية وعلى رفض الهيمنة والانصياع. وبالتالي، يربط لا بويسي الطاعة والهيمنة معاً، وهي العلاقة التي ستكون في وقت لاحق نظرية من قبل المفكرين الفوضويين. عن طريق الدعوة لإيجاد حل والرفض ببساطة دعم الطاغية، فأصبح واحدا من أقدم دعاة العصيان المدني والمقاومة اللا عنفية.
إتيان دو لا بويسي (1530-1563) كاتب وقاضٍ فرنسي، ومنشئ النظرية الفوضوية، ومؤسس الفلسفة السياسية الحديثة في فرنسا، "ذُكر بأنه أعظم صديق وثيق لكاتب المقالات البارز ميشيل دي مونتين في واحدة من أبرز الصداقات في التاريخ". كان دو لا بويسي شاعرا مميزا وإنساني المذهب ومرتبطا ارتباطاً وثيقا مع القيادات الشابة لمجموعة Pleiade مجموعة الكوكبة من الشعراء، وتشمل كتابات لا بويسي قسمين: القليل من السونيتات (شعر نظمه في مقتبل العمر)، والترجمات من الكلاسيكيات وترجمات عن المؤرخ اليوناني زينوفون كسينوفون، وأخرى متعددة عن بلوتارك بلوتارخ. ولكن مونتني لم ينشر أعمال صديقه الأدبية، لأنه رأى فيها "حياكة أدق وألطف من أن تخرج إلى الجو الخشن الذي اتسم به هذا الفصل الفاسد"، وهي عبارة تحوي الإشارة إلى الصراع السافر الذي انتهت إليه العلاقة بين حركة الإصلاح الديني والدولة الملكية، والذي تجاوز حداً لا عودة عنه بعد مذبحة أشياع كالفن في العام 1572، وهي المذبحة المعروفة باسم "ليلة القديس بارتليمي".
aXA6IDE4LjIxNy4yNTIuMTk0IA==
جزيرة ام اند امز