ن يحك قشر الديمقراطية أوالحرية السميك والقاسي في لبنان يجده يتلوى بين ضفتين من جفاف تبرزان في زواج غريب منقشع بين المال والسياسة
من يحك قشر الديمقراطية أوالحرية السميك والقاسي في لبنان يجده يتلوى بين ضفتين من جفاف تبرزان في زواج غريب منقشع بين المال والسياسة وبين العام والخاص في اختلاط وضياع يتكرر من دون الالتفات إلى مخاطر المستقبل أو التجديد. المال أشاح وجهه عن لبنان بالمعنى العربي، والسياسة الإقليمية مسكونة بهواجسها وتحدياتها وانقساماتها ونأت بنفسها عن لبنان، ووفقاً لهذه الفرضية يمكن توصيف المتغيرات الملحوظة والمفاجآت الكبرى التي أورثتها تجربة الانتخابات المنصرمة والمنتظرة في لبنان والتي أوجعت وتوجع أصحاب الكراسي وتزرع هموم التغيير في كافة الأرجاء.
إذا كان اللبنانيون قد أقنعوا أنفسهم وبعض أشقائهم بأن لبنان هو مستشفى العرب ومطبعتهم ومكتباتهم وبأن وسائل إعلامهم تضاهي بترول العرب، فماذا هم فاعلون في مرحلة من التعدديات التي يعرفها عصر الانقراض الإعلامي اللبناني وزهو الإعلام العربي والعالمي، والسياحة في زمن يدور فيه الإنسان فوق قمر صغير حول الشمس؟
سؤال أقسى:
يجهد أهل البترول الأصليين بحثاً عن الطاقات البديلة عن الخضوع الأبدي للبترول وجشع الدنيا بالبترول، فينشغلون بامتصاص الحرارة من الشمس والرياح والمياه إذا فقد البترول زهوه وأعرض عنه العالم مكتفياً لأسباب استراتيجية أو تكتيكية، وهذا ما يصعب قبوله أو هضمه في المدى المنظور؟
هل نصدق بعد أن إعلامنا ومرابعنا تؤمن كفاف أيامنا ومستقبلنا وأن نفطنا المدفون هو عمود إنقاذنا ؟
يعزز هذه الصورة المخيفة، ويشوشها تفشي الفوضى والفراغات العارمة في السلطات، وكوابيس الأمن والاستقرار الهش، والإمعان في صلابة المقالع الطائفية وغياب الأحزاب الوطنية الجامعة، وتحلل مفاهيم المشاركة الوطنية السياسية، ومحنة الفصل بين السلطات وتهشيم الإعلام والسياسيين لسلطة القضاء، وتحويل القوانين والدساتير كما الأخبار والمقابلات والمحاورات إلى وجهات نظر تجعلنا نعيش في أكثر من وطن طائفي يظهر في اختلال التوازن بين المؤسسات والسلطات بما حول الدولة نحو الخاص.
أعترف بالعجز عن الفهم العلمي لمثلث الحرية والإعلام والأحزاب الحافل بالتشوهات منذ أن كان لبنان. لماذا؟
1- لأن التعددية السياسية أفقدت لبنان توازنه أساساً عندما استنقعت في الطائفية والمذهبية، وصارت وجهاً لما يعرف باللامركزية الإدارية المنتظرة في نص الدستور وغير المتحققة، وهمساً متجدداً يتعاظم بالفيدرالية التي تقتضيها الديموغرافيا الجديدة وصولاً إلى القول بالتقسيم المنتظر عبر البقاء تحت خيمة الوطن في انتظار المحيط الدموي. هذا تفكير لا يشفي.
2- لأن غياب التنوع في الأحزاب والإعلام وطغيان الخاص لم يغير كثيراً في الضغوط والقيود في ممارسة الحياة الطبيعية، على الرغم من الجمعيات المحلية والغريبة التي لا حدود لأعدادها والنقابات والاتحادات التي بهت لونها وتراجع دورها، مما وسع من مساحات التماهي لدى المقيمين شكلاً ومضموناً بصلابة السياسيين.
3- لأن التعددية السياسية انعكست في التعددية الإعلامية بما جعلها بعيدة عن جوهر الديمقراطية لنراها تصب بالمعنى العلمي الدقيق، في ما لا يشبه الأوطان.
4- إعلام الحروب - حروب الإعلام - سلام الإعلام وإعلام السلام، بالاختصار هو مربع لبناني صلب قضيت معظم عمري في تفكيكه ولم أفهم في أي بئر نحن. الإيجابية الكبرى كامنة في كشف الأغطية بسبب الانقسامات الإعلامية والسياسية بما أوصل لبنان لأن يدرج في طليعة الدول من حيث الفساد.
وبدا لي تاريخ تحولات الطوائف في لبنان دولاً مقفلة. لكل طائفة عدتها الوطنية المستوردة ، الأمر الذي أظهر لبنان مجدداً أسير حروب أهلية باردة يمكن أن تندلع في أي وقت إذا توقف الاهتمام وشحت المكارم وضمر لبنان كسوق للعرب حيث لا جديد للتصدير.
الصحافة المكتوبة تتعرض للحصار المالي كما المرئي والمسموع، ويبهت تأثير الإعلام اللبناني عربياً فيستغرق موهوماً في الابتذال والترفيه والاستيراد في هبوط ملحوظ على أنقاض الجودة والمضمون والموقع.
وتبرز ال «أنا» الترويجية الانتظارية لبلدان العالم بدلاً من «نحن» الدولة والوطن.
وهذا يعني البحث عن سلطات تعوض عن السلطات الوطنية المفقودة، الأمر الذي نراه لاهثاً لا وراء سلطات الطائف الذي تعذر تطبيقه، بل مجدداً في مساوئ البحث السطحي عن إعلام السلطة بدلاً من رؤية الآفاق الواسعة التي يبلغها الإعلام ببساطة تجعله سلطة السلطات دون أن يكون شيئاً. فالإعلام إعلام، والسلطات الرسمية واقعة مجدداً، في الحفاظ على أناس السلطة بدلاً من البحث عن «سلطة» الناس وأحلامهم ورسم ملامح مستقبلهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة