أسواق الجزائر.. من المسؤول عن التهاب الأسعار في رمضان؟
في الأيام الأولى لشهر رمضان الفضيل، تصاب أسعار الخضراوات والفواكه واللحوم بحمى أسعار شديدة في الأسواق الجزائرية، فمن يتحمل المسؤولية؟
يعاني الجزائريون مع حلول شهر رمضان الكريم من ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية واسعة الاستهلاك، خاصة الخضراوات والفواكه واللحوم، التي رغم وفرتها في الأسواق إلا أن أسعارها تصل أحيانًا إلى الضعف بالمقارنة مع باقي أشهر السنة.
جولة سريعة في أسواق العاصمة تبين مدى الفارق في أسعار الخضراوات والفواكه واللحوم منذ بداية شهر رمضان عما كانت عليه من قبل، ففي سوق "كلوزيل" المغطى بقلب الجزائر العاصمة، يترواح ثمن "الكوسة" ما بين 120 و180 دينارًا محطمًا بذلك الرقم القياسي لأغلى نوع من الخضراوات في السوق، بينما يكون سعر "الكوسة" في باقي الأيام ما بين 40 إلى 80 دينارًا. ويعود السبب إلى أن "الكوسة" هي أكثر الخضراوات استعمالًا في رمضان بسبب استعمالها في إعداد حساء الشوربة الذي يكسر به الجزائريون صيامهم.
كما ترتفع أسهم "الخس" في بورصة الخضراوات خلال رمضان ليصل سعره إلى ما بين 60 و80 دينارًا للكيلوجرام، في حين يكون سعره في العادة خلال مواسم السنة بين 40 و50 دينارًا. أما الطماطم الموسمية فقد استقر سعرها ما بين 40 إلى 80 دج والبطاطس التي يكثر عليها الطلب أيضا بـ40 دينارًا.
وبالنسبة للفواكه، يحتفظ التمر بسعر مرتفع، ما بين 400 و600 دينار، في شهر رمضان نظرًا للإقبال الشديد عليه، رغم كون الجزائر من أكبر البلدان المنتجة له في العالم. أما البطيخ الأحمر، فوصل إلى سعر إلى مستويات قياسية بحيث بلغ حتى 160 دينارًا للكيلوجرام في بعض الأسواق، فيما بلغ سعر الخوخ 100 دج للكيلوجرام وكذلك المشمش والبرقوق الذي يستعمل في إعداد أطباق خاصة برمضان.
وعدا الخضراوات والفواكه، تلتهب كذلك أسعار اللحوم في الشهر الفضيل، إذ يباع لحم البقر بألف دينار بينما يصل سعر لحم الخروف إلى 1200 دينار ويلامس لحم الدجاج سقف 300 دينار، ناهيك عن الأسماك التي يضعف الإقبال عليها في رمضان بسبب سعرها المبالغ فيه، إذ يصل سعر الجمبري إلى 2500 دينار للكيلوجرام وأحيانًا يفوق.
مسؤولية الحكومة
وتتعدد الأسباب في تفسير ظاهرة ارتفاع الأسعار في رمضان، بين الأطراف المتداخلة في السوق، ويكتفي كل طرف بإلقاء المسؤولية على الآخر، نظرًا لنشاط معظم التجار في السوق الموازية بعيدًا عن رقابة السلطات، بينما يبقى المتضرر الوحيد في هذه المعادلة هو المواطن.
ويضع المتابعون لحال الأسواق في رمضان، المسؤولية الأولى لارتفاع الأسعار على عاتق الحكومة، لكونها لا تقوم بدورها في رقابة وتنظيم الأسواق، كما أنها لم توف بعهودها المتكررة لمضاعفة عدد الأسواق الجوارية وأسواق الجملة لتقليل كلفة نقل أسعار المواد الواسعة الاستهلاك، وبالتالي خفض أسعارها.
وتحصي الجزائر حاليًّا 42 سوقًا للجملة على مساحة تقارب 100 هكتار أي بمعدل 5.2 هكتار للسوق الواحدة، ويرتقب إنشاء 219 سوقًا مغطاة خصص لها غلاف مالي يقدر بـ10 مليارات دينار (100 مليون دولار)، خلال الفترة ما بين 2015 و2019.
وترد الحكومة بأن ليس من صلاحياتها تحديد الأسعار التي يضبطها السوق، وهي مسؤولة كما صرح وزير التجارة بختي بلعايب على ضمان توفر المواد والسلع الاستهلاكية وتلافي أي مشكل ندرة، وقد تم لهذا الغرض -حسب الوزير- تشكيل مخزونات للاستجابة للطلب الكبير خلال شهر رمضان.
سلوك المستهلك:
ويجمع كثير من المواطنين الذين يرتادون الأسواق، على أن جزءًا كبيرًا من مسؤولية ارتفاع الأسعار المفاجئ في شهر رمضان، يعود إلى جشع كبار التجار المتحكمين في السوق، إذ يعمدون لاستغلال إقبال الناس على استهلاك عدد معين من المواد للرفع من أسعارها ومضاعفة أرباحهم.
هذه التهمة يرفضها تمامًا الطاهر بولنوار الناطق باسم الاتحاد الوطني للتجار والحرفيين الجزائريين، فالتجار بحسبه ليسوا مسؤولين أبدًا عن ارتفاع الأسعار، لأن الأسعار تتحدد وفق قاعدة العرض والطلب، ومعروف أن رمضان يرتفع فيه الطلب بشدة عن باقي الأشهر.
وأوضح بولنوار في تصريح لبوابة "العين" الإخبارية، أن سلوك المستهلك هو المتسبب الرئيسي في ارتفاع الأسعار، لأن الجزائريين تعودوا في الأيام الأولى لرمضان على تخزين كميات كبيرة من المواد الغذائية لاستغلالها في بقية الأيام، وهو ما يفسر ارتفاع الأسعار في بداية رمضان.
وأضاف بولنوار أن اتحاد التجار بدأ يلاحظ عودة الأسعار إلى طبيعتها في رابع أيام رمضان، وهو ما يؤكد صحة التفسير الذي يقدمه بخصوص ارتفاع الأسعار، مشيرًا إلى أن الخضراوات الأكثر استهلاكًا بدأت تفقد 20% من القيمة التي اكتسبتها بسبب ارتفاع الطلب في اليوم الأول والثاني من رمضان.
رمضان يكشف تزايد الفقر:
وبغض النظر عمن يتحمل المسؤولية، صار الجزائريون يعانون خلال السنوات الأخيرة من تراجع كبير في القدرة الشرائية، فارتفاع الأسعار لم يواكبه زيادات في الأجور والمعاشات. ويظل الأجر القاعدي ضعيفًا نسبيًّا؛ إذ لا تتعدى قيمته 18 ألف دينار أي نحو 150 دولارًا.
هذا الوضع أدى إلى إقبال منقطع النظير على طلب المساعدة الحكومية في شهر رمضان، ويصطف مواطنون أمام البلديات لطلب ما يعرف بـ"قفة رمضان" وهي عبارة عن مجموعة من المواد الغذائية يتم توزيعها على الفقراء في بداية كل رمضان، وتعرف إقبالًا متزايدًا كل سنة.
وفي آخر تصريح لها قدرت وزيرة التضامن الجزائرية مونيا مسلم حجم المعوزين في الجزائر بين 800 ألف ومليونين، استنادًا إلى المساعدات التي تقدمها الوزارة، إلا أن معطيات غير رسمية تشير إلى أن الرقم أضعاف ما يتم التصريح به، ففي تقريرها تشير الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، إلى أن 10 ملايين جزائري يعيشون تحت خط الفقر، بينما يذر البنك الدولي 20% من الجزائريين ينفقون أقل من 4 دولارات يوميًّا.