مما لا جدال فيه، أن الإنسان المعاصر، وإنسان التاريخ أيضاً، يتموضع في المربع الأكثر أهمية وجوهرية في معادلة الوجود والتطور، ولهذا كان علماء الأنثربولوجيا يراهنون دوماً على دراسة الإنسان بالترافق مع الروافد المُركَبة والمتعددة لماهية الإنسان في حضوره النوعي المقرون بالمكان والزمان، وما يتجاوز المكان والزمان في أُفق الدهر؛ الدهر بوصفه اختصاراً مُكثفاً لماهية الزمان والمكان. كما تؤكد الأبحاث الأركيولوجية، واللسانية، والجينية، وحدةَ البشرية في تنوعها، وتنوعها في وحدتها، ما يؤشر إلى القواسم المشتركة بين مختلف الأنساق البشرية ذات الروافد الثقافية المتنوعة.
الانطلاق من هذا المفهوم يضعنا مباشرة في سؤال الراهن والمستقبل، ومنه نستقي العناصر الرئيسية في تلك الرؤية الباحثة عن مكانة خاصة لإنسان مخصوص، وفي تقديري أن دولة الإمارات العربية المتحدة تصلح تماماً لتكون الحاضن التطبيقي المفاهيمي العملي في هذا الجانب، وذلك استناداً إلى مقدمات النجاح، والتجربة الناجحة في التنمية والتطوير، والصادرة عن قوة الدفع الأساسية للدولة العربية الاتحادية فريدةِ المثال في الزمن العربي.
سيكون منطلق مثل تلك الرؤية قائماً على معادلة واضحة هي البدء بالجزئي وصولاً للكُلِي، وبالتالي الرهان الأساسي على النجاح الجزئي في حقل من الحقول، باعتبار أن هذا النجاح سيمثل الرافعة لنجاحات متتالية في حقول أُخرى. وبهذه المناسبة يمكن أن تكون بعض التجارب العالمية الناجحة في اليابان وسنغافورة والصين على سبيل المثال، لا الحصر، نماذج للتأسي والدراسة، بالقدر الذي لا نلغي فيه الخصوصية الخاصة لكل بلد على حدة، ما يُفضي بالضرورة للبحث عن مفردات نوعية تتناسب مع بيئة الدولة وجغرافيتها التاريخية.
غير أن النجاح الجزئي كتمهيد للنجاح الشامل، لا يعني إغفال النظرة الكُلِية التي تمنحنا الفرصة لقراءة المشهد الأعم، بما يسعفنا لمعرفة وتمثُل القوانين الناظمة لهذه القراءة الشاملة.
المنطلق الأخلاقي والعرفي والديني، ينطلق مما نسميه «السويَة البشرية» النابعة أساساً وجوهراً من كامل التعاليم الدينية الحميدة، والأعراف التاريخية الرفيعة، وقيم التعايش والتسامح، وكل ما يحقق إنسانية الإنسان.
يتمثَل الهدف الجوهري لمثل هذه الرؤية الافتراضية في تعميم ثقافة استباق المستقبل، بمرئيات تحقق قابلية تأمين النجاحات على مختلف الصعد، وتبدأ من إطار محدد تنتظم فيه المرئيات الكفيلة بأن تكون نموذجاً ناجحاً لبقية الإطارات، ولتحقيق ذلك نرى التالي:
} قراءة المشهد المعاصر من خلال المتغيرات الموضوعية العاصفة، الناجمة عن نمط الحياة العصري، ومؤثراتها المُركّبة متعددة الحراب والتأثيرات.
} ملاحظة التحولات الكبيرة في وسائط التواصل الاجتماعي والإعلامي، التي تحولت إلى معادلة متشعبة للتأثير، بشكليه الإيجابي والسلبي من جهة، ولتوسُع منصَات المشاركة العملية لعموم المبحرين في هذه الوسائط من جهة أُخرى.
} الواقع الافتراضي لعالم الوسائط الرقمية المتنوعة، لا يقف عند حد معلوم، بل يتنامى، حاملاً معه كامل المؤثرات القاهرة، بشقيها الإيجابي والسلبي، وهو ما يقتضي عقداً أخلاقياً جديداً لا يتحقق إلا بالتوازي مع عقد عالمي أخلاقي جديد يحمي البشر من ذواتهم المُتطيرة المنهكة باقتصاد الاستهلاك، والترويج، والمغامرات.
} ترشيد الخطاب الديني الديماغوجي يعتبر استحقاقاً كبيراً لا مناص من الشروع فيه، حتى نتمكّن من حلحلة الخصومة المُفتعلة بين الدين والحياة.
} المرئيات القانونية بحاجة إلى مزيد من التدوير على قاعدة المواكبة الإجرائية للمستجدات من جهة، وكذا ترسيخ الدرب نحو المستقبل.
الإشارات السابقة ليست بديلاً للفكرة الجوهرية، التي تتلخص في استباق المستقبل من خلال استهداف الإنسان الفاعل فيه، ومثل هذا المشروع الطموح يتقاطع إيجاباً مع مشروعي وزارتي السعادة والتسامح، فهما الوزارتان المعنيتان بترجمة مثل هذه الأهداف الطموحة.
*- نقلاً عن جريدة "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة