العالم الغربي بات أمام "مجتمع" معروف من المشبوهين تصدر عنه هذه العمليات الرهيبة من القتل الجماعي
من المذهل أن كل الأسماء التي ارتكبت أو شاركت في العمليات الإرهابية الضخمة التي شهدتها باريس مرّتين عام 2015 ثم بروكسيل وأورلاندو عام 2016 هي أسماء جميعها تَبيّن أنها أسماء مشبوهة سابقا ولديها ملفات لدى أجهزة المخابرات الفرنسية والبلجيكية والأميركية. وآخرها مرتكب مجزرة أورلاندو عمر متين.
هذا يعني أن العالم الغربي بات أمام "مجتمع" معروف من المشبوهين تصدر عنه هذه العمليات الرهيبة من القتل الجماعي. إذا كانت هذه الملاحظة صحيحة نسبيا أو كلياً فهي تستتبع طرح الأسئلة التالية:
ألا يرتِّب ذلك مسؤولياتٍ أكبرَ على الحكومات الغربية من حيث قدرتها على تلافي هذه العمليات الإرهابية بمعرفتها عن "مجتمع المشبوهين" هذا من الشباب ذوي النزوع والنشاط الراديكاليين وكيف يحصل أن تُترَك عناصرُ خطيرة من هذا النوع دون إجراءاتٍ مسبقة من الاعتقال او المراقبة؟ لا نعرف الكثير عن المتوحِّش الجديد سوى أنه كان مشبوهاً لدى المباحث الفدرالية ولكن في الحالتين الفرنسية والبلجيكية من النادر أن قرأنا أو عرفنا عن أحد المنظمين والمنفذين ما لم يكن معروفا لدى أجهزة المخابرات منذ فترة أطول سواء في عملية صحيفة "شارلي إبدو" أو لاحقا ليلة الهجومات على المقاهي والمسرح في باريس أو عملية مطار بروكسل؟
نحن إذن، استنادا إلى هذه المعلومات المعلَنة أمام "مجتمع صغير" وخطير من الإرهابيين المقيمين في الغرب وكلهم حاملو جنسياته، يعيش داخل مجتمع أكبر وأوسع من ملايين من المسلمين المقيمين في البلدان الغربية، هذه الملايين التي تمارس حياتها العادية داخل المجتمعات الغربية أيا تكن صعوبات بعضهم الثقافية، في حالة المسلمين، ومعظم نخبهم هو جزء لا يتجزّأ من أعلى مستويات الانتاج العلمي والثقافي والاقتصادي وأحيانا السياسي.
حسب ما نقلته الصحافة الأميركية فإن صديق متين والد الإرهابي عمر متين هو ناشط سلمي في الشأن العام الأفغاني ويدير منظمة غير حكومية ولكنه معروف بتأييده لحركة "طالبان" وبأمر آخر هو دعوته لإلحاق الإقليم الشمالي الغربي من باكستان بأفغانستان باعتباره أفغانيا وليس باكستانيا وهو يدير برنامجا تلفزيونيا باشتونيا ( الأكثرية الأفغانية هي من الباشتون) من كاليفورنيا حتى أن "الواشنطن بوست" قالت بأنه في برنامجه الأخير يوم السبت المنصرم، الوالد لا الإرهابي الإبن، تكلم كأنه رئيس أفغانستان داعيا إلى عزل واعتقال وجوه مهمة من الزعماء الأفغان في كابول. كانت إدانته للمجزرة قاطعة لا تحمل الالتباس. ولكن هل هي بيئة أفكار حادة لدى الوالد المسالم تحوّلت إلى نواة تطرف إرهابي لدى الإبن؟ لا نعرف الكثير حتى الآن لإطلاق تقييمات؟
العام الماضي قدّر نائب في الحزب الاشتراكي الفرنسي من أصل جزائري في تقرير رفعه إلى رئيس الوزراء أن العناصر الشابة المتطرفة في بيئة المسلمين الفرنسيين من أصل مغاربي (من كل دول المغرب العربي) يبلغ ألفي شاب. وصف النائب الاشتراكي هذا الرقم بـ"أننا أمام ظاهرة تطرف جيل". صحيح أن الرقم "ألفين" هو فعلا رقم صغير جداً قياسا بعدد المسلمين الفرنسيين ولكنه هنا كان يتحدث عن ناشطين راديكاليي التفكير ينفرز عادة من مجتمعهم الصغير إرهابيون خطيرون وإن كان طبعا ليس كل راديكالي إسلامي هو إرهابي بالضرورة.
يا تُرى كم عدد "المجتمع الصغير" في أميركا؟ في 11 أيلول كان الإرهابيون الـ19 كلهم مقيمين ولكن ليسوا حاملي جنسية أميركية. عمر متين وُلِد في نيويورك وأبوه جاء إليها.
هل زاد "المجتمع الصغير" أم تناقص في أميركا؟ فسنوات ما بعد 11أيلول بدأت هادئةً ومضبوطة باستثناء عملية إرهابية سابقة العام الماضي ثم هذه المجزرة الكبرى أمس الأول.
الغرب مرة أخرى أمام معضلة الإرهاب الإسلامي؟ مسلمو أميركا والغرب وكل العالم المسلم أمام هذا السرطان الذي يظهر أحيانا كسرطان وأحيانا كوباء وأحيانا كدولة من إمارة "طالبان" القاعدية إلى دولة "داعش".
*- نقلاً عن جريدة "النهار"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة