يسعى باحثون منذ أعوام إلى العثور على رابط بين أثر التغيرات المناخية وبين تصاعد العنف والإرهاب من جهة ثانية
يسعى باحثون منذ أعوام إلى العثور على رابط بين أثر التغيرات المناخية، خصوصاً التصحر والجفاف على البنى الاجتماعية من جهة، وبين تصاعد العنف بصيغتي الخروج على الدولة وسلطاتها والإرهاب من جهة ثانية.
يمكن في هذا الإطار، إدراج عملي الباحث الهندي أكبر أحمد «زهرة الشوك والدرون (الطائرة من دون طيار)» وكريستيان بارينتي «مدار الفوضى». وقاربت المسألة أيضاً الكندية ناومي كلاين في محاضرتها الأخيرة التي نشرتها مجلة «لندن ريفيو أوف بوكس» بعنوان «دعوهم يغرقون».
ترفض هذه الأعمال التصورات التبسيطية عن سبب وحيد أفضى إلى «اختلال العالم». فلا التغير المناخي ولا الأثر المدمر للعولمة على البيئة ولا الانفجار السكاني في دول الجنوب شبه الصحراوية، معطيات تكفي لتفسير ظواهر مركبة مثل الثورات العربية أو حركة «طالبان» في باكستان وافغانستان معاً أو جماعة «الشباب» في الصومال ناهيك عن التمدد السريع لـ «داعش». ثمة أبعاد متعددة الوجوه لأزمات دول تتشارك في الكثير من السمات السياسية والمناخية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
على الأرضية الجامعة لأعمال هؤلاء الباحثين، تتلاقى السياسات التي همّشت القبائل ودفعتها إلى خارج المشاركة السياسية وحرمتها من موارد رزقها في أقاليم تزداد جفافاً وفقراً إلى جانب الانتهاك الدائم لمميزاتها الثقافية من قبل السلطات المركزية الاستبدادية والمحتكرة للحق في توزيع الثروات، ما يوزع ردود السكان على لائحة ضيقة من الخيارات بين التمرد والإرهاب والهجرة.
وعندما يتحول رد فعل هذه الجماعات إلى العنف، لا تجد «الدولة» وحلفاؤها غير العنف المقابل، لكنه العنف النظيف الذي يتلاءم مع شخصيات محبة للسلام ولا ترغب بتلويث أيديها بدماء مواطنيها. عليه، يتواءم «الدرون» تمام الوئام مع شخصية باراك أوباما (الحائز على جائزة نوبل للسلام) والرافض للتورط في حروب «مستمرة منذ آلاف الأعوام». عهدا أوباما في البيت الأبيض شهدا تصاعد استخدام الطائرات من دون طيار في باكستان وأفغانستان واليمن والصومال وغيرها، ما أسفر عن مقتل مئات المدنيين وعمّق – وإن لم يكن السبب الأول أو الوحيد- الدورة الجهنمية للتهميش والموت والانتقام والرد الدموي وركوب البحر بحثاً عن ملاذ لأطفال لم يذوقوا من الحياة غير مرارتها، مقابل نأي الغرب بنفسه عن الانغماس المباشر في عالم «لاعقلاني»، على ما يحلو لمثقفي الغرب وصفه.
في أواسط العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، يبدو من الصعب فصل العوامل التي أفضت إلى هذه الكارثة العالمية عن بعضها. التداخل بين أسباب انهيار مجتمعاتنا وأثر العولمة بأوجهها المختلفة، ومنها اشتداد تمركز الثروة والسلطة وضيق آفاق الشراكة السياسية وتقلص الموارد الطبيعية والمنافسة الحادة بين الاقتصادات الناشئة على احتلال المواقع الأكثر ربحية في الأسواق الخ... تساهم كلها في إضفاء قدر عالٍ من الضيق والاضطراب على كل رؤية تحاول استشراف المستقبل من خلال اللجوء إلى الأدوات المعرفية والمفهومية التقليدية.
عليه، قد تكون كذلك قليلة الفائدة كل محاولة تقوم على علاج أحادي الجانب للأزمات التي تحاصرنا. غني عن البيان أن ما من كلمة سحرية تحمل حلاً مقبولاً وقادراً على الاستمرار في هذه المنطقة، لا الديموقراطية التي لا يخفي أعداؤها إصرارهم على إفشالها، ولا الفدرالية التي يفهمها البعض فرصة لإنشاء كيانات تسلطية على قياساتهم، ولا «التوافق بين المكونات» الذي نشهد نهاياته المأسوية في لبنان والعراق. مأساة لا يعبر عنها أكثر من صوت «الدرون» فوق الصحراء.
نقلاً عن صحيفة "الحياة" اللندنية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة