يقول تقرير حديث لخدمة أبحاث الكونجرس، إن العلاقات بين مصر وإسرائيل تحسنت بصورة كبيرة منذ إزاحة الرئيس السابق محمد مرسى.
لم يتخيل أكثر المصريين تشاؤمًا أن يأتي اليوم الذى يشكو فيه مسئول أمريكي من تجاهل الحكومتين المصرية والإسرائيلية لبلاده عن طريق إبقاء واشنطن بعيدة عن تفاصيل التعاون الأمني المتزايد بين الدولتين، ويمكن تفهم الشكوى الأمريكية على خلفية إيمانها، منذ هندستها لاتفاقية السلام بين الدولتين قبل ثلاثة عقود، أن علاقات القاهرة بتل أبيب تمر حتمًا عبر واشنطن، إلا أنه يبدو أن الحكومة المصرية تختار فرض واقع جديد لعلاقاتها بإسرائيل، واختارت تحييد واشنطن عن بعض ملفات علاقاتها الحميمة مع تل أبيب.
ولا يبتعد الموقف المصري الجديد في جوهره عما ذكره وزير الخارجية الأسبق نبيل فهمى على صفحات الأهرام منذ أيام من استماعه خلال زيارات خارجية أخيرا لتساؤلات جادة حول أسباب ندرة القضايا العربية في الخطاب الخارجي المصري، وتركيزه أولًا وأخيرًا على قضية الإرهاب، أضيف من جانبي أن سياسة فرض واقع جديد تتضمن أيضًا اختفاء القضية الفلسطينية ومكافحة الاحتلال الإسرائيلي من على جدول أعمال السياسة الخارجية المصرية، أو على أقل تقدير إهمالها.
•••
يقول تقرير حديث لخدمة أبحاث الكونجرس إن «العلاقات بين مصر وإسرائيل تحسنت بصورة كبيرة منذ إزاحة الرئيس السابق محمد مرسى؛ إذ يجمع الدولتين حوار مستمر حول القضايا الأمنية». وخلال الصيف الماضي سمت الحكومة المصرية سفيرًا جديدًا لها في تل أبيب، وذلك للمرة الأولى منذ استدعاء الرئيس محمد مرسى السفير المصري هناك مع بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في نوفمبر 2012. وطبعًا تدفع إسرائيل من جانبها لهذا الواقع الجديد، فلا يمر أسبوع إلا وتخرج علينا صحفها من خلال تلميحات وتسريبات حكومية لتذكرنا جميعًا بعمق التعاون الأمني بين القاهرة وتل أبيب، وهو ما يقابله صمت رسمي مصري لا ينكر ما يُكتب، وتهدف إسرائيل من جانبها لتعويد الرأي العام المصري على طبيعة وحميمية العلاقات الجديدة. مصريًّا، دعمت أربع مناسبات مهمة ما أراه واقعًا جديدًا لعلاقات الدولتين لم نعرفه من قبل، أولى هذه المناسبات وأهمها تمثل في تصويت مصر لصالح انضمام إسرائيل لأحد لجان الأمم المتحدة لأول مرة في التاريخ، ثانيها عملية التفاوض حول اتفاقية الكويز لتتوسع في تصنيع المنتجات الغذائية في مصر، ومثل توقيع اتفاق لاستيراد الغاز من إسرائيل ثالث هذه المناسبات، في حين كانت زيارة البابا تواضروس للقدس هي آخرها.
•••
واقع العلاقات الجديد لم تعد معه إسرائيل تتربع على سلم تهديدات الأمن القومي المصري. وظهرت فصول هذا الواقع واضحة في تصويت مصر لصالح انضمام إسرائيل إلى عضوية لجنة الاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي التابعة للأمم المتحدة، وكان لتصويت مصر معان رمزية واسعة تتخطى عملية التصويت ذاتها؛ إذ إن الدول المترشحة كانت واثقة من دخول هذه اللجنة، من هنا كانت هناك بدائل سهلة لا تكلف شيئًا بعيدًا عن التصويت لإسرائيل، مثل الغياب عن الجلسة أو الامتناع عن التصويت، ناهيك عن بديل الرفض.
ما جرى يعد سابقة هي الأولى من نوعها منذ تأسيس إسرائيل عام 1948، وتكفى نظرة سريعة على الإعلام الإسرائيلي لندرك كيف احتفت إسرائيل بالسابقة الدبلوماسية المصرية التي وصفت بالتاريخية.
•••
تشترط اتفاقيات الكويز وجود 10.5% مكونات إسرائيلية في المنتجات المصرية التي يمكن تصديرها بتسهيلات لأمريكا، ووصلت قيمة الصادرات الإسرائيلية العام الماضي من مواد خام تستخدم في مناطق الكويز المصرية إلى 100 مليون دولار، ومنذ توقيع اتفاقية الكويز بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة عام 2004، شغل النسيج والملابس ما يزيد عن 95% من الصادرات المصرية، إلا أن هناك جهودًا كبيرة يقوم بها حاليًا رجال أعمال مصريين من أجل زيادة حجم الصادرات الزراعية من خضروات وفواكه طازجة ومجمدة بمشاركة الجانب الإسرائيلي، وطبقًا لمسئول التجارة الخارجية بوزارة الاقتصاد الإسرائيلي أوهاد كوهين «اتفاقيات الكويز مع مصر تزداد قوة مع مرور الوقت، والتجارة مع مصر أقوى من أي وقت سبق». ولا يقتصر الموضوع على زيادة التعاون التجاري فقط، بل يتم تنظيم بعثات ترويجية مصرية إسرائيلية مشتركة كان آخرها بعثة خلال مايو الماضي زارت شركات أمريكية كبيرة منها «جاب» وليفي شتراوس «وجى سي بيني».
•••
وقبل أيام أعلنت شركة تستخرج الغاز من حقل لوثيان الإسرائيلي أنها ستبدأ تصدير الغاز لمصر لصالح شركة دولفينوس المصرية، وسيتم تزويد الشركة المصرية بقرابة أربعة مليارات متر مكعب من الغاز سنويًّا لمدة 10 إلى 15 سنة، وتمثل شركة دولفينوس عملاء غير حكوميين وصناعيين وتجاريين مصريين.
وقالت الحكومة المصرية، إنه لا دخل لها بالاتفاق ولكنها لا تعترض عليه، وهو ما يمثل مباركة رسمية؛ إذ لا يمكن أن تستورد أي شركة مصرية أو أجنبية غازًا من إسرائيل دون موافقة الحكومة.
•••
ثم جاءت زيارة بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، البابا تواضروس الثاني للقدس لرئاسة قداس جنازة الأنبا إبراهام، وللأسف تعامل البابا مع الزيارة وكأنه مواطن عادى عليه تأدية واجب العزاء، وتناسى أن قرار زيارته للقدس لا يتعلق فقط بشخصه بل يتخطاه ليعبر عن موقف لملايين المصريين الأقباط، وموقف محدد للكنيسة المصرية وقرار المجمع المقدس لعام 1980 والذى يقضى بمنع سفر الأقباط للقدس إلا بعد تحريرها، وظل البابا الراحل شنودة على عهده رافضًا للسفر، بل وقع عقوبات كنسية على من يسافرون إلى هناك، ومنذ عهد تواضروس حدث تهاون في قضية سفر المسيحيين إلى القدس، وصار الآلاف يسافرون للحج سنويًّا دون أن توقع عليهم الكنيسة أية عقوبات، وأجزم أنه لا يمكن أن يحدث ذلك دون وجود ضوء أخضر من الدولة.
•••
على مدى العقود الأربعة وخلال عهد الرئيس حسنى مبارك شهدت العلاقات الإسرائيلية ــ المصرية مدًّا وجزرًا، واليوم لا تشهد هذه العلاقات إلا المد، من هنا لم أندهش لتصريحات وزير الثقافة المصري الأخيرة من أن «موشى دايان لم يفعل بمصر ما فعلته عصابة المرشد»! من حقك كوزير أن تنتقد وتشيطن الإخوان، لكن لماذا تبيض وجه إسرائيل في نفس الجملة؟ ورغم كل ما سبق، يرفض الشعب المصري الذى وُلد ما يزيد عن 70% منه بعد توقيع اتفاقية السلام، إلا أنه يصف إسرائيل بالعدو، وكشف استطلاع للرأي أجراه مركز «بصيرة» أخيرًا أن إسرائيل تحتل المرتبة الأولى بجدارة بين الدول التي يعتبرها المصريون دولًا عدوة، ويرى 86% من المصريين إسرائيل كدولة معادية جدًّا، ويراها 6% كدولة معادية فقط، ويعتبرها 3% كدولة محايدة، في حين يراها فقط 2% من المصريين كدولة صديقة، وهكذا يؤكد الشعب المصري من جديد رفضه لكل محاولات فرض واقع زائف على علاقاته بإسرائيل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة