لم يسبق أن قام أي مستشار ألماني سابقاً ب 9 زيارات خارجية إلى دولة واحدة خلال مدة توليه السلطة
لم يسبق أن قام أي مستشار ألماني سابقاً ب 9 زيارات خارجية إلى دولة واحدة خلال مدة توليه السلطة، لكن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فعلت ذلك مع الصين خلال فترة توليها المسؤولية منذ عام 2005 حتى اليوم. وزيارة ميركل الأخيرة ( 10- 14 /6/2016) إلى بكين، حملت مجموعة من الدلالات، وفاقت بأهميتها الزيارات السابقة - على ما رأى مراقبون لتطور العلاقات السياسية والتجارية بين الشرق والغرب.
الاقتصاد الصيني هو الأول آسيوياً والثاني عالمياً، ويبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي 10357 بليون دولار أمريكي وفق آخر إحصاء رسمي عن عام 2014. والاقتصاد الألماني هو الأول أوروبياً والرابع عالمياً ويبلغ الناتج الإجمالي الألماني 3875 بليون دولار.
يحاول كل من الماردين تعزيز مكانتيهما الدولية من خلال تعاون تجاري وسياسي ثنائي. والفريقان لديهما القدرة على المناورة في التعاطي مع الملفات الشائكة، لكونهما يعطيان الأولوية للمصالح التجارية في علاقاتهم الخارجية. والدور الذي تلعبه ألمانيا مع الصين؛ له مفاضلة عن الشركاء الأوروبيين الآخرين، نظراً لتحرر السياسية الخارجية الألمانية من بعض التحالفات السياسية والعسكرية الدولية، ولدى برلين مساحة تحرك دولية أوسع من المساحات التي تدور فيها الدول الأخرى، لكونها غير متحمسة كثيراً للأحلاف العسكرية القائمة، ولم تشارك مع الولايات المتحدة في خطط محاصرة المارد الصيني، كما أنها ترتبط بعلاقات ممتازة مع روسيا، يعززها الاعتماد الألماني الكبير على صادرات الغاز الروسية.
يشعر الطرفان الصيني والألماني أنهما مستهدفان من جراء تنامي نفوذهما الاقتصادي في العالم، وتحاول أطراف عديدة تقويض حراكهما، أو محاصرة صادراتهما القوية. وبطبيعة الحال؛ فإن الولايات المتحدة واليابان على وجه التحديد يتضرران من تنامي النفوذ الاقتصادي لكل من الصين وألمانيا، لأن مجموع هذه الدول الأربع تعتمد على الصناعة في اقتصادياتها، ولديهم أسواق استهلاكية مشتركة.
زيارة المستشارة ميركل إلى بكين في هذه الظروف الدولية بالذات؛ تأخذ أبعاداً غير عادية. فمن جهة هناك توتر سياسي وعسكري كبير في المنطقة، ناتج عن الاستفزازات الكورية الشمالية، وعن خطط بكين للتوسع في بحر الصين الجنوبي، كما أن سياسة الأحلاف الأمريكية التي تعتمدها واشنطن في المنطقة، تزيد من التوتر بينها وبين بكين.
لا يمكن تجاهل تأثيرات الصين في السياسة الدولية، من خلال قوة اقتصادها، ومن خلال دبلوماسيتها الناشطة في آسيا وإفريقيا. وموافقة الاتحاد الأوروبي على دخول الصين في منظمة التجارة العالمية؛ كان الهدف الرئيس منه احتواء تنامي النفوذ الصيني، أكثر مما كان الهدف الاستفادة من التعاون مع هذا التنامي.
ميركل أعلنت في أعقاب مباحثاتها مع الرئيس الصيني لي تشيانغ في بكين «لا نريد حرباً تجارية بين الصين والاتحاد الأوروبي» في إشارة إلى تزايد صادرات الصلب الصينية إلى أوروبا. وهو تزايد اعتبرته الدول الأوروبية بمثابة الإغراق لأسواقها، وبالتالي ستتعامل معه وفقاً لما تنص عليه اتفاقية التجارة العالمية - أي فرض قيود على صادرات الصلب الصينية، وهذا بطبيعة الحال سينعكس سلباً على الاستثمارات الأوروبية في الصين.
تحاول ألمانيا بكل قوتها الضغط على الصين لإصدار تشريعات تجارية تحمي الاستثمارات الألمانية بشكل خاص - والأوروبية بشكل عام - في الصين. والمستشارة ميركل أعلنت في بكين أن ترسيخ سلطة القانون يعزز ثقة الناس بالدولة، كما طالبت بتشريعات تعطي فرصاً للشركات الأجنبية متساوية مع فرص الشركات الوطنية. وهذا الموضوع كان بمثابة الوعد؛ قطعته بكين للدول الأوروبية إبان مفاوضات الدخول إلى منظمة التجارة العالمية، بحيث حصلت الصين على مكانة «نظام الدولة البديلة» من الاتحاد الأوروبي.
بالرغم من كل تلك النتوءات التي تظهر على مساحة العلاقات الصينية - الألمانية، لكن قطار تنامي التعاون يسير على السكة الثابتة إلى حد ما. فللمرة الأولى بتاريخ العلاقات بين برلين وبكين؛ انطلق قطار يحمل أكثر من 665 طناً من البضائع من مدينة تشنجنشو الصينية إلى مدينة هامبورغ الألمانية في منتصف مايو/أيار الماضي، وهو يمر بأراضي كازاخستان وروسيا وروسيا البيضاء وبولندا، ويقطع مسافة تزيد على 10 الآف كم. ويتوقع أن يصل عدد رحلات هذا القطار إلى 50 رحلة في العام، ليساهم في رفع قيمة التبادل بين البلدين إلى ما يقارب البليون دولار أمريكي. لأن رحلات القطار تستغرق 15 يوماً تقريباً، بينما الرحلات البحرية تستهلك 30 يوماً على الأقل.
تدشين ميركل ولي تشيانغ للمنطقة الصناعية المشتركة في تشنغيانغ، خطوة تقدم إضافية.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة