"كي حنا كي الناس".. برنامج جزائري ساخر يتعرض للإيقاف.. والسبب
برنامج تلفزيوني ساخر عرف بسقفه العالي في انتقاد الرئيس بوتفليقة قامت السلطات الجزائرية بمنع طاقمه من التصوير في قضية أخذت أبعادًا دولية
لم يكد برنامج "كي حنا كي الناس" الجزائري الساخر المثير للجدل على قناة "كا بي سي" يكمل عدده الخامس، حتى تم منع طاقمه من التصوير، تارة بإغلاق السلطات للاستديوهات التي كانت تحتضن البرنامج بحجة أنها غير قانونية، وتارة أخرى بمبرر عدم امتلاك القناة للتراخيص اللازمة بتصوير البرنامج وفق الطريقة التي يتم إخراجه بها.
وقامت قوات الأمن الجزائرية بإغلاق استوديوهات تصوير البرنامج الساخر، وأخضعت مديرها للتحقيق لساعات طويلة، بحجة عدم امتلاك التراخيص اللازمة للتصوير، في خطوة أثارت استياء منظمة "مراسلون بلا حدود" التي اعتبرت الأمر "انتهاكا لحرية التعبير".
وكانت الأمن قد داهم مقر التصوير قبل أسبوع، وقام بـ"تشميعه" بحجة أن الاستوديوهات كانت مغلقة منذ سنة 2014، وأن مالكها أعاد فتحها دون رفع الحظر عن التصوير فيها، وهو ما جعل مسؤولي قناة "كا بي سي" يؤكدون أن الأمر ليس له علاقة بتصوير برنامجهم، وإنما بمشكل قديم لا يخص القناة.
وفي هذه القضية، تم استدعاء مدير قناة "كا بي سي"، مهدي بن عيسى، واستمع له، ثم تحول إلى شاهد في القضية بينما اقتيد ملاك الاستديوهات إلى السجن، بينما أكد مسؤولو القناة أنهم بصدد نقل ديكور برنامج "كي حنا كي الناس" إلى مكان آخر من أجل معاودة بثه في أكتوبر المقبل على أقصى تقدير.
غير أن الأمن الجزائرى عاد واستدعى مدير قناة "كي بي سي" أمس، وأخضعه لاستجواب دام ساعات طويلة، وفق ما أوردته جريدة "الخبر" التابعة لنفس المجمع المالك للقناة، وانحصر الاستجواب في الأمور التقنية وكيفية استدعاء الضيوف واختيارهم في البرنامج الذي بدأ بثه في شهر رمضان.
واللافت في التحقيق الثاني أن سببه كان يتعلق بحصول برنامج "كي حنا كي الناس" وبرنامج ساخر آخر يسمى "ناس السطح" على التراخيص اللازمة، وهي المرة الأولى التي تقدم فيها السلطات الجزائرية على مثل هذه الخطوة، رغم امتلاء القنوات الجزائرية الخاصة بعشرات البرامج السياسية والثقافية.
وشمل التحقيق مع مدير قناة "كا بي سي" محتوى البرنامجين ومدى مطابقتهما للترخيص الممنوح من الوزارة، على أساس أنهما برنامج ثقافيين، كما استدعيت مديرة بوزارة الثقافة لهذا الغرض أيضا.
وفهم هذا التصرف على أنه عدم رضا من السلطات الجزائرية على محتوى البرنامج الذي صنع لنفسه اسمًا في الأعداد الأولى لانطلاقه بسبب سقف الحرية العالي الذي تمتع به في انتقاد الرئيس بوتفليقة شخصيا وحكومته، من خلال استدعاء شخصيات معارضة راديكالية.
وكان البرنامج الذي يقدمه المذيع مصطفى كصاصي المعروف بمواقفه المنتقدة للسلطة، ويقاسمه فيه الصحفيان حميدة العياشي وعبدو سمار، قد استضاف عدة شخصيات معارضة ذهبت بعيدا في انتقادها الوضع القائم في الجزائر.
ومن بين هؤلاء الضيوف، برز جيلالي سفيان، رئيس حزب جيل جديد، الذي شن هجوما لاذعا على الرئيس بوتفليقة متهما إياه بتزوير ملفه الطبي من أجل الترشح لولاية رابعة.
كما هاجم المعارض الآخر البارز كريم طابو بنفس الحدة حال البلاد، معتبرا أن الجزائر تحولت إلى "قاعة انتظار كبيرة" في تعليقه على التعديلات الحكومية المتتالية التي تأتي بنفس الأشخاص وتبعدهم دون أن يتغير الوضع.
ولم يشذ رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، عن القاعدة، وأطلق بدوره وابلًا من الهجوم على حكم الرئيس بوتفليقة الذي اعتبر أنه فشل في إحداث التنمية بالجزائر خلال 17 سنة من الحكم.
ولم يتوانَ معدو البرامج عن استضافة حتى العسكريين السابقين رغم العلاقة المتوترة التي تجمع بعضهم مع محيط الرئيس بوتفليقة، فكان أن حققت الحلقة التي استضافت "الجنرال معيزة" أحد كبار قادة المؤسسة العسكرية السابقين نسبة مشاهدة كبيرة.
وقد تعدى وقف برنامج "كي حنا كي الناس" حدود الجزائر، حيث أصدرت منظمة مراسلون بلا حدود، بيانا حمل لهجة قوية في انتقاد واقع حرية التعبير في الجزائر.
وأعربت المنظمة عن قلقها بشأن تشميع برنامج "كي هنا كي الناس"، وطالبت السلطات بتمكين القناة من استرجاع تجهيزات الاستوديو بأقصى سرعة.
وصرحت ممثلة المنظمة في مكتب شمال إفريقيا ياسمين كاشا في نص البيان قائلة: إن توقيت هذه القضية محير، فالإجراءات القانونية لم يتم تحريكها إلا حين استخدم الاستوديو في تسجيل برنامج يطرح قضايا الساعة ".
وأضافت: "من المشروع إذن أن نخمن أن البرنامج الذي يجمع بين النقاش السياسي والسخرية والموسيقى هو المستهدف، خاصة أن قناة "نوميديا نيوز" مثلا المعروفة بقربها من السلطة استعملت الاستوديو قبل أسابيع دون أن يتم التعرض لها".
يُذكر أن الجزائر تقبع حاليًّا في المركز 129 "من أصل 180 بلدًا" على جدول التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2016، الذي أصدرته منظمة مراسلون بلا حدود.