أي عذرٍ تجود به الألسن إلى كل أبٍ وأم، سمعا بالأمس عن مقتل والدين على يد ابنيهما التوأم، أي ذنبٍ يدور في أذهان آبائنا وأمهاتنا؟
مشهدٌ يظل ملِحاً في تكراره في عقلي وأمام عيني، رغم أني أحاول جاهداً أن لا أتخيله، أيعقل هذا ؟!
ابنٌ يَجُّرُ أمه العجوز من شعرها وابنها الآخر ينهال عليها بالطعنات حتى الموت !!
والله إن القلب ليتفطر من هول ما يسمع ويشاهد، أمك ثم أمك ثم أمك، ثم أبوك، هكذا أوصانا حبيبنا المصطفى ﷺ، إلا أن الخوارج من مجرمي داعش لا يقبلون هذا الهدي النبوي المبارك، بل إنهم يحرفونه ويقلبون معناه إلى "عليك بالأقربين وابدأ بأمك ثم أبيك " !!
هكذا هم، وهذا هو الدرك المنحط الذي ارتضوه منزلاً، لم لا وقادتهم جاؤوا من جحر الكبائر والذنوب العظيمة، يدعون إلى حضيضهم كل فاجرٍ ومختل، وكل مجرم مدان، ناهيك عن مدمني المخدرات مغتصبي الأطفال، وما خفي من مرضى نفسيين وعاهات منحرفة أشد وأعظم، حتى أصبح دركهم بؤرةً لكل عفنٍ ونتن، يكره أحدهم ذاته ويحتقرها لدرجة أن يرى بأنه لا يستحق العيش في هذه الحياة !!
بل إنهم زادوا في طغيانهم قولا وعملا، (فغلفوا كل باطلٍ بغلاف الدين) نفاقاً في القول وبهتانا، فتجدهم متنكرين بمنظر المسلم التقي، وألسنتهم تنعق بفصيح الحروف ناضحةً بقبيح المعاني، فتحور وتزور هدي القرآن، وسنة نبي الرحمة ﷺ، إلى قسوة بغيضة تستنكف الوحوش عن اقترافها.
أي عذرٍ تجود به الألسن إلى كل أبٍ وأم، سمعا بالأمس عن مقتل والدين على يد ابنيهما التوأم، أي ذنبٍ يدور في أذهان آبائنا وأمهاتنا وهم يتساءلون :
بأي ذنبٍ قتلت ؟
ما الذي اقترفته يد والد أو والدة التوأم حتى يكون جزاؤهم الطعن حتى الموت؟ !!
هل كان ذنب أمهما أنها حملتهما وهناً على وهن لتسعة أشهر في بطنها ؟
ثم أرضعتهما حولين من درها ؟
هل كان ذنبها أنها سهرت عليهما حتى يناما ؟
وهل ذنبها أنها اعتراها الأسى لما مرضا ؟
وهل كان ذنبها أنها دعت الله مخلصة لكي يحفظ أبناءها ؟
وهل كان ذنب أبيهما أنه وفر لهما العيش الكريم في مسكن راق ومترف لأجل أن يحظى أبناؤه بمسكن يكونون به من الآمنين المطمئنين ؟
أم كان ذنبه أنه خصص مبلغ 40 ألف ريال سنوياً قيمة دراستهم في مدارس خاصة ليحظوا بتعليمٍ استثنائي عن أقرانهم ؟
هل كان ذنب هذين الأبوين أنهما اعتنيا بولديهما وسخرا حياتهما لتربيتهما وتعليمهما وسعادتهما ؟
أي رجفةٍ تُراها تخالج قلوب الآباء والأمهات من هول الضلال الذي استشرى اليوم في عقول الأجيال ؟
من سمٍّ نفثته أنياب شيطانٍ رجيم، جعلت ثوب الدين الحنيف محل ريبةٍ وشك في بيوتنا وعائلاتنا !!
هذا ما أراده تنظيم [داعش] الإرهابي، أن يجعل الدين غريباً في البيت والمدرسة والشارع وفي قلوب المسلمين خصوصاً والبشرية عموماً، وأن يجعل مظهر التدين والالتزام مشؤوماً منبوذاً، لا ترتاح له أعين الناظرين وترتجف منه أجساد الحاضرين، حتى وإن كانوا من المسلمين، فلا يؤْمَن لهم جانب، فيخاف الأب من ابنه ولا تأمن الأم ضناها !!
أسفي على دمٍ أريق ظلماً دونما ذنبٍ، وعلى روحٍ أمرنا الرحمن بطاعتها، وأن نخفض لها جناح الذل من الرحمة، أسفي على عقولٍ سلمت مقاليدها للإرهاب يغرس فيها ما يشاء، لتُنْبِت الخراب والتدمير والقتل والتعذيب .
ولاشك أن إرهاب داعش لا يكتفي بزعزعة الفكر والتكفل بانحرافه عن مساره الحقيقي، بل إنه يقود أتباعه حتى يصل بهم إلى خارج حدود الرحمة، وخارج أسوار الفطرة التي جُبِل عليها الإنسان، فتتحرك أجسادهم دونما شعور، وتأمرهم عقولهم بكل برود، أن اقتلوا من حولكم وابدؤوا بالأقربين !!
وهنا لابد أن نقف متسائلين :
كيف يفعل "داعش" ذلك؟
كيف يصل إلى أبنائنا في غفلة منا؟
وكيف يحرف أفكارهم ويقودهم إلى هذا اللامعقول واللامسبوق من الضلال؟
كيف تسلل إلى بيوتنا وحرّض على القتل؟
وعلى كراهية الأم والحقد على الأب؟
وكيف تمكن من تحقيق ذلك؟
علينا جميعاً أن نعيد ترتيب أوراقنا، ونحرص على متابعة أبنائنا، وأن لا نتهاون في مراقبة سلوكياتهم، وأن نتعامل بحزم مع أي طارئٍ يطرأ على تصرفاتهم، وأن نبلغ الجهات المختصة عن كل مريب، وأن لا نعتبر ذلك مجرد تغيُّر لحظي لن يلبث حتى يزول، فقضايا القتل التي تطال الأهل والأقارب تأثيرها يمتد إلى المجتمع عامة، ولا تتمحور فقط في نطاقها العائلي، فالمجتمع يبدء ترابطه وتماسكه وتكاتفه من الأسرة التي هي النواة الحقيقية للمجتمع، فأنّى له ذلك إن فسُدّت النواة وتعفنت !!
هناك تنظيم إرهابي يتوغل في حياة أبنائنا أشد توغل، وقد يبلغ به العلم عن حياتهم وخصوصياتهم ما لا نعلمه نحن عنهم، وما لا يعلمه الابن عن نفسه وشخصيته، فالوصول إلى الأبناء أضحى سهلاً بسيطاً، الهواتف الذكية وألعاب الإنترنت وشبكات التواصل وملذات الحياة ورفقاء السوء، كلها طرق مفتوحة معبدة يسلكها شياطين الإرهاب إلى عقول أبنائنا، فيجعلوا منهم قنابل موقوتة سرعان ما تنفجر في أحضاننا .
ما أحوجنا إلى دقائق معدودة نقضيها مع أبنائنا، نعلمهم الدين الصحيح، فلا يعيشوا الحياة عبثاً حتى ينتابهم الملل والاكتئاب، ثم لا يلبثوا حتى يبحثوا عن السعادة هنا وهناك، فتصطادهم شباك الإرهاب بحججٍ زائفة مخادعة، ولعل أقبحها أن طريق القتل والتفجير هو الدرب الوحيد لتطهير الذات وغفران الذنوب والفوز بالسعادة في جنة الفردوس !!
فما أحوجنا إلى أن نُطهر ونحصن عقول أبنائنا وطلابنا، وكل من له حقٌ علينا، وأن نحمي أفكارهم من التطرف والغدر والخيانة .
فلنجعل لحياتهم معنىً حقيقي، حباً في ﷲ وإخلاصاً للوطن وطاعة لولي الأمر والوالدين .
تداركوا أبناءكم، فالإرهاب لن يهنأ له بال حتى يسمع توسل الأصوات وهي تبكي .. ابني أرجوك لا تقتلني !!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة