هيجان إطلاق النار في أورلاندو، ليس سوى الواقعة الأخيرة، ولكن ليست الوحيدة بأي حال، في سلسلة حوادث قتل جماعي بأسلحة نارية
إن هيجان إطلاق النار في أورلاندو، ليس سوى الواقعة الأخيرة، ولكن ليست الوحيدة بأي حال، في سلسلة حوادث قتل جماعي بأسلحة نارية. ووقعت هذه الحادثة في ولاية فلوريدا، التي اكتسبت شهرة محزنة، كونها أول ولاية أمريكية تصدر الترخيص رقم مليون بحمل أسلحة فردية مخبوءة.
ومع أن حوادث عنف تقع في بلدان أخرى، إلا أنها ليست متكررة - أو مهلكة - بقدر ما هي في الولايات المتحدة، التي تسجل فيها أعلى نسبة من جرائم القتل بأسلحة نارية فردية بين الدول الأكثر تقدماً في العالم. وامتلاك الأسلحة عامل رئيسي في جرائم القتل في الولايات المتحدة، حيث يقدر أن المدنيين يملكون 300 مليون سلاح ناري، ما يجعل الأمريكيين الشعب الأكثر تسلحاً في العالم بالنسبة للفرد الواحد. وبالمقارنة، الشرطة في الولايات المتحدة لديها حوالي مليون سلاح ناري.
ويمثل سكان الولايات المتحدة أقل من 5% من سكان العالم، ولكن من 35 إلى 50% من المدنيين في الولايات المتحدة يملكون أسلحة، ما يجعلها تحتل المرتبة الأولى عالمياً بالنسبة للفرد الواحد.
ومسألة ملكية الأسلحة الفردية في الولايات المتحدة تتمحور حول التعديل الثاني في الدستور الأمريكي، الذي يقول: «حيث إن وجود ميليشيا حسنة التنظيم ضروري لأمن أي ولاية حرة، لا يجوز التعرض لحق الناس في اقتناء أسلحة وحملها». ويشدد معارضو الحد من اقتناء الأسلحة على الجزء الأخير من الجملة: «لا يجوز التعرض لحق الناس في اقتناء أسلحة وحملها». إلا أنهم لا يأخذون بعين الاعتبار الجزء الأول، الذي يجعل امتلاك وحمل الأسلحة مشروطا ب «وجود ميليشيا حسنة التنظيم». (الميليشيا في الولايات المتحدة مصطلح معقد كان يتغير مع الزمن، وقد حدده وعدله الكونغرس الأمريكي مرات عدة. واستخدم المصطلح تاريخياً، للدلالة على جميع الرجال القادرين على حمل السلاح، والذين ليسوا مجندين في الجيش أو البحرية. ورئيس الولايات المتحدة هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو أيضاً قائد الميليشيا عندما تستدعيها حكومات الولايات إلى الخدمة).
وفي الولايات المتحدة، أصبحت «الرابطة الوطنية للبنادق» (التي تدافع عن حق الإفراد الأمريكيين في اقتناء وحمل الأسلحة) إحدى أقوى مجموعات الضغط (اللوبي) في البلاد، ونفوذها يتعاظم باطراد. وحسب صحيفة «واشنطن بوست»، أسهمت هذه الرابطة في فوز أربعة من بين كل خمسة مرشحين دعمتهم في انتخابات الكونغرس، وهي تسعى على الدوام أمام المحاكم لإبطال أي قوانين يصدرها الكونغرس للحد من انتشار الأسلحة.
وفي الوقت ذاته، أدى حكمان للمحكمة العليا الأمريكية في 2008 و2010 إلى الحد من سلطة حكومات الولايات والحكومات المحلية بشأن الحد من امتلاك الأسلحة. وما زاد الأمر سوءاً بالنسبة لدعاة الحد من انتشار الأسلحة هو أن حوالي نصف الولايات الأمريكية الخمسين تبنت قوانين تسمح للذين يملكون أسلحة بحملها علانية في معظم الأماكن العامة.
ومع أن أنصار امتلاك الأسلحة يستخدمون حجة الدفاع عن النفس لتبرير حق الناس في حمل أسلحة، إلا أن أبحاثاً علمية أظهرت أن سلاحاً مملوكاً داخل مسكن، يمكن أن يقتل فرداً من العائلة أو صديقاً بمعدل يزيد 43 مرة عن احتمال قتل شخص دخيل. علاوة على ذلك، استخدام أسلحة نارية لمقاومة اعتداء عنيف يزيد خطر تعرض الضحية للإصابة والموت. وعدد القاصرين الذين يموتون متأثرين بجروح أصيبوا بها، نتيجة طلقات أسلحة نارية في الولايات المتحدة، هو أكبر من عدد القاصرين الذين يموتون نتيجة لكل الأسباب الأخرى مجتمعة.
وفي دراسة نشرتها «مجلة نيو إنغلند الطبية»، وجد الدكتور آرثر كيلرمان أن مسكناً يوجد فيه سلاح ناري، يكون أكثر عرضة بمعدل 2.7 مرة لجريمة قتل مقارنة مع مسكن لا يوجد فيه سلاح.
ويقدر أن سوق الأسلحة النارية الفردية، الذي تبلغ قيمته 2-3 مليار دولار سنويا، شهد فورة كبيرة عقب انتخاب الرئيس أوباما في 2008، على الرغم من موقفه القاطع بشأن ضرورة سن قوانين تحد من امتلاك الأسلحة.
الخلاصة من كل ذلك: لا يمكن للناس استنكار عاقبة أعمالهم إذا كانوا يغذون ثقافة عنف في بلدهم.
*- نقلاً عن جريدة "الخليج".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة