من جديد سيطرت العمليات التي نسبت لتنظيم الدولة الإسلامية «داعش» على المشهد الإعلامي العربي والدولي.
من جديد سيطرت العمليات التي نسبت لتنظيم الدولة الإسلامية «داعش» على المشهد الإعلامي العربي والدولي. فقد تصدرت أخبار تفجيرات اسطنبول الأخيرة التي وصل عدد ضحاياها إلى عشرات القتلى ومئات الجرحى نشرات أخبار المحطات الفضائية، وتصدرت عناوين تغطياتها الصفحات الأولى من الصحف العربية والعالمية. وحول تفجيرات اسطنبول أكد مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية جون برينان على أن «الاعتداء الإرهابي الذي استهدف مطار إسطنبول في تركيا يحمل بصمات تنظيم الدولة الإسلامية»، وفي بيروت فقد أعلن الجيش اللبناني عن احباط «مخطط لهجمات إرهابية من جانب تنظيم الدولة الإسلامية ضد موقع سياحي كبير ومنطقة مزدحمة، بعد أيام من مقتل خمسة أشخاص في قرية القاع المسيحية في سلسلة تفجيرات انتحارية». أما في سيناء فقد «تبرع» تنظيم الدولة الإسلامية، دون أن يجبره أحد كي يتبنى عملية سيناء التي قتل فيها قس قبطي، مشددا على أن «مفرزة أمنية لجنود الدولة الإسلامية تمكنت من استهداف القس المحارب للمسلمين موسى رفائيل، وتم استهدافه بالسلاح الخفيف ما أدى إلى هلاكه على الفور».
وسط مثل هذه التغطيات الإعلامية المكثفة والمتتالية يسكن الإعلام الدولي، ومن ورائه الإعلام العربي في الذهنية الجمعية الدولية، وفي القلب منها تلك العربية، ان هناك خطرا مستشريا اسمه «داعش»، قادم من المنطقة العربية، بات يهدد العالم، قبل أن يهدد المنطقة العربية ذاتها.
ينظم العرب، بوعي أو بدون وعي إلى قائمة المذعورين من هذه الظاهرة، وتكون ردة الفعل الأولية والطبيعية تكريس الجهود كافة للتصدي لها ومحاربتها كي لا يتسع نطاق انتشارها، ومن ثم عملياتها. وعليه، تكرس الجهود ومعها الموارد من أجل إنجاز «هذه المهمة» التي تحتل اليوم، بفضل هذه الحملة، موقع الصدارة في سلم الأولويات العربية.
ليس هناك من بوسعه التقليل من خطورة هذه العمليات الإرهابية، كائنا من كانت الجهة التي تقف وراءها، وترعاها وتنمي قدراتها السياسية والإعلامية قبل العسكرية. فما يتبناه تنظيم داعش، أو ما ينسب له، هو جرائم ضد الإنسانية لا يمكن السكوت عليها، ولا ينبغي أخذ مواقف محايدة منها. فهي مرفوضة من كل الجوانب، وعلى كل المستويات.
لكن ما ينبغي التحذير منه أن ذلك الانسياق العربي الأعمى وراء محاربة الظاهرة الداعشية، والتصدي لها، يترافق مع إهمال قضايا مصيرية أخرى، لا تقل خطورتها المستقبلية عن ذلك الذي تنذر به «داعش».
وتأتي في مقدمة تلك الأخطار الأزمة المائية التي تعاني منها المنطقة العربية، وهي أزمة جد خطيرة ومركبة من حيث الشحة، وسوء الاستخدام، وضعف التخطيط للحفاظ عليها، ناهيك عن سيطرة قوى أجنبية معادية مثل إسرائيل، أو منافسة مثل تركيا وإثيوبيا على مصادرها.
ولقد تناولت هذه الأزمة بحثا عن حجمها، وتداعياتها على المستقبل العربي الاقتصادي والسياسي والأمني الكثير من البحوث الدولية قبل العربية، بما فيها تلك المسوحات الميدانية التي قامت بها منظمات دولية متخصصة، يتبع بعضها لمنظمة الأمم المتحدة.
ففي تقرير جمع مادته أحد مراسلي وكالة «انتر بريس سيرفس»، ثاليف ديين، وينقل فيه بعض ما جاء في هذا الصدد في دراسة صادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، محذرا من أن «المواطن العربي العادي لديه ثماني مرات أقل قدرة على الحصول على المياه المتجددة، من المواطن العادي العالمي... وأكثر من ثلثي موارد المياه السطحية تنبع من خارج المنطقة». ويضيف التقرير «من أن ندرة المياه في المنطقة تتوجه بسرعة نحو مستويات تنذر بالخطر، بعواقب وخيمة على التنمية البشرية».
ويكشف الباحثان من كلية الاقتصاد بجامعة دمشق عدنان عباس حميدان، وخلف مطر الجراد من أن «حوالي خمسة في المئة من سكان العالم البالغ عددهم أكثر من سبعة مليارات نسمة يعيشون في المنطقة العربية، (التي) تحتل 10 في المئة من مساحته. لكنها تمثل أقل من واحد بالمائة من الموارد المائية العالمية، (كما) أن حصتها من الموارد المائية المتجددة سنويا هي أيضا أقل من واحد في المئة فهي تتلقى 2.1 في المئة فقط من متوسط هطول الأمطار السنوي العالمي».
من جانبه يحذر الباحث هادي بن منصور هو الآخر من الأخطار المستقبلية المصاحبة لأزمة المياه العربية، حين يقول « تواجه المنطقة العربية تحديات متنامية في قطاع المياه، فلا عجب أن يتم تصنيفها من أكثر المناطق ندرة له على مستوى العالم حيث تشير إحصائيات سنة 2011، إلى أن حصة الفرد الواحد من المياه العذبة بلغت 500 م3/سنة بعد أن كانت تقدر بـ 2000 متر مكعب/ سنة، سنة 1960. وستستمر هذه الحصة في التراجع السريع والمخيف إلى أن تصل إلى 250 مترا مكعبا/ ساكن/سنة بحلول سنة 2050».
في خضم كل ذلك تحذر دراسة نشرها موقع «الجزيرة الفضائية»، من احتمال تحول هذه الشحة المائية إلى عنصر اشعال لنيران حروب قادمة بفضل أسباب متعددة يلخص الموقع الأهم بينها في النقاط التالية:
• تناقص المخزون المائي العربي وتدني معدل المياه المتاحة إلى ما دون المعدل العالمي.
• الاستيلاء والاستغلال غير الشرعي لموارد المياه العربية.
• تزايد الطلب على الماء نظرا لتزايد الاحتياجات الإنسانية والتنموية.
• وجود منابع المياه الرئيسية خارج المنطقة العربية، حيث إن ثماني دول مجاورة للدول العربية تتحكم بأكثر من 85% من منابع المياه الداخلية التي أصبحت مهددة بسبب إنشاء مشروعات مائية تشكل تعديا على الحقوق العربية في المياه المشتركة.
• عدم وجود أو تقادم الاتفاقيات الدولية التي تنظم العلاقة بين دول المنابع غير العربية المجاورة ودول المصب العربية.
تأسيسا على ذلك، ينبغي التحذير من أنه بينما تتركز الجهود العربية على «داعش» وأخواتها، وتهدر الأموال الطائلة على كيفية مواجهة أنشطتها، تتراجع اهتمامات المسؤولين العرب عن أزمة متربصة بهم، لن تكون تداعياتها أقل خطورة من تهديدات «الدواعش». ليس المطلوب التقليل من أخطار داعش، لكن ينبغي رؤية الصورة متكاملة، كي لا يأتي التركيز على مهمة آنية على حساب أخرى مستقبلية متربصة، وربما تكون أشد خطورة بالمنظر الاستراتيجي التنموي والأمني على حد سواء.
- نقلاً عن "الأيام"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة