من النادر أن تشهد دولة انقلاباً في سياستها الخارجية خلال أسبوع واحد، مثل الانقلاب الذي حصل في أنقرة هذا الأسبوع.
من النادر أن تشهد دولة انقلاباً في سياستها الخارجية خلال أسبوع واحد، مثل الانقلاب الذي حصل في أنقرة هذا الأسبوع.
في البداية كانت المصالحة مع إسرائيل، التي لم يرافقها أي تراجع من جانب بنيامين نتانياهو، لا في شأن حصار غزة ولا في ما يتعلق بمعاملة الفلسطينيين في الضفة. بل إن رجب طيب أردوغان انتقد الطريقة، التي سماها «استعراضية»، التي قامت بها بعض السفن، ومن بينها سفن تركية، عندما حاولت خرق الحصار الذي كانت تفرضه إسرائيل على القطاع. ثم جاءت المصالحة مع روسيا، التي سبقها اعتذار علني من أردوغان لبوتين عن إسقاط الطائرة الروسية، بينما لم تقدم موسكو أي تنازلات ولو شكلية لإرضاء أردوغان، لا في ما يتعلق بسياستها في سورية ودعمها نظام بشار الأسد، ولا في تصنيفها معظم فصائل المعارضة باعتبارها تنظيمات «إرهابية». وكل هذا بينما يقول أردوغان إن سقوط رأس النظام السوري لا يزال بين أولويات سياسته في المنطقة.
ثم جاء الهجوم الإرهابي على مطار إسطنبول الذي نفذته مجموعة من ثلاثة أشخاص بقيادة رجل شيشاني من قيادات «داعش»، وفق أجهزة الأمن التركية، ليقلب الأولويات التركية في الحرب على الإرهاب رأساً على عقب. أصبح «داعش» الآن على رأس أهداف الأمن التركي بعد أن حوّل أردوغان في السابق نظره ونظر أجهزته الأمنية إلى الحرب على «حزب العمال الكردستاني»، وتحولت مناطق الجنوب الشرقي من تركيا، إضافة إلى عدد من المدن، من بينها أنقرة وإسطنبول، إلى ساحات مواجهة شبه يومية بين الطرفين، فيما كانت الفصائل الكردية على الجانب الآخر من الحدود تخوض معارك صعبة مع «داعش»، وتحقق تقدماً في معظمها، مثلما حصل في عين العرب (كوباني) في خريف العام 2014، حيث أكدت التقارير الميدانية آنذاك أن القوات التركية لعبت دور المتفرج، وأحياناً المسهّل لعبور المقاتلين الذين كانوا يقاتلون الأكراد في تلك البلدة الحدودية.
الأرجح أن المصادفة وحدها هي التي دفعت الإرهابيين الثلاثة الذين هاجموا مطار إسطنبول إلى ارتكاب هذه المجزرة، بعد 48 ساعة على المصالحة بين رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين. غير أن هذه المصادفة دفعت الشراكة في الحرب على التنظيم الإرهابي إلى رأس جدول التفاهمات بين البلدين. بوتين في حرب مع إرهابيي الشيشان وهو يخشى من انعكاسات تحالفه مع نظام بشار الأسد على تجنيد مقاتلين من الجمهوريات الإسلامية، التي كانت في مضى جزءاً من الاتحاد السوفياتي، لتهديد الأمن في بلاده. خصوصاً أن أعداداً كبيرة من هؤلاء يقاتلون الآن في صفوف «داعش»، وتقدّر أجهزة استخبارات غربية أن عددهم يتجاوز 7 آلاف. وأردوغان لم يعد يستطيع، بعد تفجيرات مطار إسطنبول، سوى أن يكون حليفاً لبوتين وللدول الغربية وفي الخندق ذاته في الحرب على «داعش».
وكان اللقاء بين وزيري خارجية تركيا وروسيا في سوتشي بعد المصالحة مناسبة لتأكيد الموقف الروسي من أولوية محاربة الإرهاب في سورية، وهي النغمة العزيزة على قلب بشار الأسد. ولدعوة أطراف المعارضة إلى الانسحاب من المواقع التي يتواجدون فيها مع الإرهابيين، وهنا كذلك إشارة أخرى إلى ما يكرّره النظام السوري من اتهامات للمعارضة بالتعاون مع الإرهابيين، فيما أكد وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو أن بلاده تحارب «داعش» مباشرة ولذلك هي هدف للإرهابيين.
لا شك في أننا أمام مرحلة جديدة في تركيا. بعد تفجير مطار أتاتورك في إسطنبول صار أردوغان مضطراً إلى التعامل مع الوضع الإقليمي بطريقة مختلفة وإلى إعادة ترتيب الأولويات. سوف يعني هذا سياسة أقل تشدداً في الأزمة السورية. ومثلما فرض شعار «الحرب على الإرهاب» نفسه على كل المعنيين بهذه الأزمة، من روس وأميركيين ودول إقليمية، فقد أصبح هذا الشعار الآن هو في رأس الحملة الجديدة التي تخوضها تركيا، والتي لا تستطيع سوى أن تربح فيها، فيما هي مهدّدة بخسارة 30 بليون دولار سنوياً من عائدات السياحة إذا استمر الإرهاب في تهديد هذا القطاع الحيوي للاقتصاد التركي.
- نقلاً عن "الحياة"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة