جاءت هدنة اللاهدنة هذه بعد مستجدات ميدانية وسياسية، لتزيد من حال الفوضى والتناقضات في الحرب اللامتناهية التي دمرت سورية
أعلن النظام الهدنة لكنه واصل هجومه في ريف حلب الشمالي لقطع الطريق الوحيد الذي يربط المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بمناطق سورية أخرى، لإحكام الحصار الذي يسعى إليه منذ أشهر على حلب. وتبين أمس أن المعركة للسيطرة على المعبر الوحيد للمعارضة هي معارك كر وفر.
ولم تكن الفصائل المسلحة أقل استعداداً لخرق الهدنة لأنها كانت تتوقع أن يبادر النظام إلى الإفادة منها لتحسين مواقعه.
جاءت هدنة اللاهدنة هذه بعد مستجدات ميدانية وسياسية، لتزيد من حال الفوضى والتناقضات في الحرب اللامتناهية التي دمرت سورية، وأبرزها التقارب الروسي- التركي، الذي سيؤثر في الطموح الكردي باقتطاع إقليم في إطار فيديرالي لسورية، وليعيق هذا التوجه بعدما كانت موسكو فتحت باباً لقبول هذا الطموح الكردي في مشروع الدستور الذي أعدته على أساس فيديرالي. وزاد الأمر تعقيداً حين أعلنت التشكيلات الكردية في شمال شرقي سورية عن مشروع دستور للإقليم الكردي، فتقاطعت مصلحة المعارضة السورية مع مصلحة النظام في رفض الاستقلال الذاتي الكردي على طريقة كردستان العراق. بل أن هذا التقاطع شمل إيران التي اندلعت اشتباكات بين قواتها وبين المسلحين الأكراد الإيرانيين الذين يلوذون بكردستان العراق، وأخذت موقفاً حاسماً بقطع الطريق على انتقال عدوى الاستقلال الكردية إليها.
لكن الأهم في ما سبق الهدنة أن مواجهة «داعش» بعد الهجمات غير المسبوقة التي نفذها من لبنان إلى إسطنبول والمدينة المنورة وجدة، وقبلها أورلاندو في أميركا مع المخاوف من اعتداءات في أوروبا، أخذت تثقل على المجتمع الدولي الحاجة إلى تسريع إنهاء دور التنظيم المتوحش، بعدما باتت الدول الكبرى متهمة بالتلكؤ في القضاء عليه، في العراق وسورية، إضافة إلى ليبيا واليمن وغيرها.
باتت غرفة العمليات الدولية التي تأسست لاحتواء التنظيم ثم القضاء عليه تحتاج إلى خطط مختلفة. ومع أن بعض الجهات الأوروبية، ومنها إيطاليا، تعتقد أن أولوية القضاء على «داعش» تتطلب تنسيقاً مع بشار الأسد مثلما ترى موسكو، فإن دولاً أخرى ما زالت على قناعتها بأن الأسد برهن أنه يقوم بالقليل في مواجهة التنظيم، وأن الدول المصرة على بقائه في السلطة في المرحلة الانتقالية تريد مقايضة تشريع وجوده بالحرب الفعلية على «داعش». ولطالما طرحت روسيا المعادلة القائلة بأن المناطق التي يطرد منها «داعش» يتسلمها النظام لا المعارضة، على رغم مشاركة الأخيرة في الاصطدام بالتنظيم في مناطق عدة بعضها استفاد منها النظام. لكن ظهور أسلحة متطورة في يد الفصائل المعارضة في ريف دمشق والتي أسقطت 5 طائرات للجيش النظامي في غضون زهاء 10 أيام، يدل إلى أن انفتاح أجهزة أمنية أوروبية على النظام لا يعني التسليم بأرجحيته على المعارضة. وفي المقابل يدل سجل العمليات العسكرية التي تخوضها إيران و»حزب الله» إلى أن معظمها يطاول فصائل غير «داعش» على رغم رفعها شعار محاربته.
باتت أولوية محاربة «داعش» تفرض نفسها على إدارة باراك أوباما خشية أن يستفيد من هجماتها المرشح الجمهوري دونالد ترامب في السباق بينه وبين المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون. وثمة من يعتقد أنه خلافاً للاعتقاد السائد بأن الأشهر الأخيرة لأوباما في البيت الأبيض تكبله وتحول دون اتخاذه قرارات كبرى، فإن باستطاعته اعتماد خطوات حاسمة لمصلحة الإدارة المقبلة التي يؤيدها بقوة، بدلاً من أن يثقل عليها عبء التخلص من «داعش» في السباق الانتخابي الذي قد يستغل ترامب أعماله، كما أظهرت الاستطلاعات بعد عملية أورلاندو في فلوريدا الشهر الماضي.
كيف تلائم الدول الكبرى بين هذه الأولوية وبين إعادة إطلاق الحل السياسي الذي أبرز استحقاقاته إعلان الدستور الجديد لسورية في آب (أغسطس) المقبل وقيام سلطة انتقالية، وفق سعي الأميركيين مع موسكو؟ فإنهاء سلطة «داعش» الميدانية في سورية (في وقت هناك توافق دولي على السلطة التي تتولى المهمة في العراق، على هشاشتها) يتطلب تحديد ماهية السلطة التي تحل مكانها، بموازاة السعي إلى المرحلة الانتقالية السورية.
باتت هذه الملاءمة تفرض الأخذ بالاقتراح السعودي اشتراك قوات سعودية وعربية، تحت عباءة التحالف الدولي، لتساهم في التخلص من التنظيم في شرق سورية وغرب العراق. ألا تحقق هذه الخطوة الملاءمة بين ضرب «داعش» وبين التمهيد للحل السياسي السوري، إذا كان بين مفاعيل التقارب الروسي التركي، الحد من نفوذ طهران؟
المقال نقلاً عن صحيفة "الحياة" اللندنية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة