العقل واحد من أهم النعم التي أنعم الله بها على الإنسان, بل إنه النعمة التي تميزه عن غيره من المخلوقات
العقل واحد من أهم النعم التي أنعم الله بها على الإنسان, بل إنه النعمة التي تميزه عن غيره من المخلوقات، وهو مناط الحساب والتكليف, ولم يقف الأمر عند هذا الحد , فقد تكرر قوله تعالى:»أَفَلَا يَعْقِلُون», «أَفَلَا تَعْقِلُونَ»، في مواضع متعددة من كتابه العزيز، ويقول سبحانه:» إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى», ولما نزل قوله تعالى:» إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ «, قال نبينا صلى الله عليه وسلم:» ويل لمن لاكها بين فكيه ولم يتأمل فيها» .
ويستحث القرآن الكريم عقولنا للتأمل والتدبر في مواضع عديدة, منها قوله تعالى: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ * يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ».
وكم استحث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على التفكير, في مثل قوله: «إنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ ، حَدِّثُونِي مَا هِيَ ؟ قَالَ : فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ», ويقول النبي لأصحابه: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟، قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ, فَقَالَ : إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ».
وفي ذلك كله ما يؤكد عناية الإسلام بالعقل واحترامه له وتقديره لقيمته, وتوجيهه للعناية به والحفاظ عليه, وهو ما يجب أن نتنبه له, فنعمل عقولنا لا نعطلها , وألا نقع أو نخضع لمحاولات التنويم المغناطيسي أو تغييب عقولنا عن واقع الحياة والتأمل فيها، والعمل على حسن قيادتها, ولنحرر مفهومًا واحدًا من المفاهيم التي تحترم العقل وهو مفهوم التوكل الصحيح لا التواكل المميت, فحسن التوكل يعني حسن الأخذ بالأسباب, من منطلق قوله تعالى:«وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ», علمًا بأن القوة هنا أعم من أن تكون عسكرية, حيث استخدم النص القرآني كلمة «قوة» منكرة لإفادة العموم والشمول, لتشكيل القوة العسكرية والاقتصادية والثقافية والفكرية والجسدية، وكل ما يحقق هذه القوة أو يؤدي إليها أو يسهم في تحقيقها .
فحسن التوكل يعني أن نأخذ بأقصى الأسباب ثم نفوض أمر النتائج لله عز وجل , يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : «لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا»، قال أهل العلم إن الطير تغدو وتروح , وتغدو من أوكارها وأعشاشها مبكرة للبحث عن رزقها, ثم تعود خماصًا شبعى, فهي تغدو وتروح، ولا تمكث في أعشاشها وتسأل الله أن يبعث برزقها إليها في مكانها دون أن تأخذ بالأسباب, وكان سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يقول : «لا يَقعُدنَّ أحدُكم عن طلب الرزق، ويقول: «اللهم ارزقني، وقد علِمَ أن السماءَ لا تُمطِرُ ذهبًا ولا فضّة» .
المقال نقلاً عن صحيفة "الأهرام" المصرية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة