19 عاما على سقوط نظام بغداد.. ديمقراطية هجينة بمؤسسات مضطربة
رغم مرور 19 عاماً على ذكرى سقوط بغداد ونهاية نظام صدام حسين، إلا أن الخلاف ما زال مشتعلاُ في قراءة مشهد ما حصل وتداعيات ذلك التغير.
العراقيون في 2003 كانوا على موعد جديد مع تاريخ وبداية مختلفة امتزج فيها الألم والفرح معاً، واختلطت فيها مشاعر الخيبة بهزيمة الجيش والتوق إلى نظام ديمقراطي يضمن التداول السلمي للسلطة ويثبت أسس العدالة الإنسانية.
ورغم أن الحرب الأمريكية على العراق لم تستمر أكثر من 20 يوماً حتى إسقاط نظام بغداد، إلا أن تداعيات ذلك حملت البلاد إلى زوايا المجهول ونهاية دولة المؤسسات على خلاف ما توقع الكثير .
في التاسع من أبريل/نيسان، كان جنود التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة يجوبون شوارع العاصمة بغداد فيما بدت مظاهر التعسكر العراقي، ونقاط النيران الأرضية بالاضمحلال والاختفاء في مشهد أذهل العالم.
ومع أن النهاية كتبت، إلا أن المشهد كان بحاجة إلى إعلان رسمي لإسدال الستار على تاريخ حكم البعث، حيث وقع الاختيار على ساحة الفردوس وسط بغداد، التي يجثم فيها تمثال برونزي كبير للرئيس السابق صدام حسين، للإطاحة بذلك الرمز إيذاناً بسقوط ذلك النظام وبداية عصر جديد.
يقول محمد حسين ذو الـ52 عاماً ممن كان حاضراً عند ساحة الفردوس لحظة رفع العلم الأمريكي فوق ذلك التمثال:" ما حدث حينها كان أشبه بخيال وحلم امتزجت فيه الحقيقة والواقع، حيث كان أغلب الموجودين يعيشون صدمة سقوط ذلك النظام القوي بين ليلة وضحاها".
ويضيف خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "مشاعر العراقيين تعالت بالغضب حينها بعد أن أقدم جندي من قوات التحالف برفع العلم الأمريكي فوق رأس التمثال، ولكن هول المشهد كان أكبر من تلك الانفعالات والعواطف الوجدانية".
واستطاعت القوات الأمريكية بمساندة بريطانياً وأكثر من ثلاثين دولة أخرى، اجتياح العراق وإسقاط نظام صدام حسين بذريعة أن الأخير يمتلك أسلحة دمار شامل تهدد الأمن العالمي واستقرار المنطقة.
استمرار الواقع
ومع الأهداف والمساعي الأمريكية التي حملتها إلى العراق من مفاهيم الحرية والمساواة وتدشين نظام ديمقراطي يضمن مشاركة الجميع في العملية السياسية، إلا أنها أفرغت من مضامينها شيئاً فشيئاً مع اجترار الوقت.
ويقول الخبير الاستراتيجي أحمد الشريفي "عندما نتحدث عن ذلك المنعطف الذي يمثل أهمية لتغير نظام أثر بشكل كبير على الواقع الاجتماعي والسياسي فضلاً عن الأمن والعسكري، كنا نأمل من المرحلة السابقة بإرهاصاتها وحروبها وما كان عليها من سلبيات أن يصار خلق وضع يختلف اختلافاً كلياً، ولكن للأسف استمرت تلك الأوضاع في دائرة الإسفاف السياسي".
ويوضح الشريفي خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، "حتى الآن لم نستطع إنجاز ما يحقق طموح الشعب العراقي ولا يمكن التحدث عن مشروع سياسي في العراق ناضج يقنع الرأي العام المحلي أو الدولي، بأن هنالك دولة لها حضور في التوازنات الإقليمية والدولية"، مؤكداً "ما زلنا في مشروع سياسي مرتبك ومتخبط جداً".
وبشأن أسباب الإخفاق في النموذج السياسي، يشير الشريفي إلى أن الأزمة في العراق أزمة نظام سياسي حكم باسم الدين، حيث إن نظرية الإخوان لا تنطبق ومفاهيم النظم الديمقراطية والدول المدنية التي تقوم على المؤسسات والقانون لذا كان الإسلام السياسي سببا مباشراً في إجهاض مشروع التغيير في العراق".
ويستدرك بالقول "نعم.. هناك شركاء يدعون المدنية والعلمانية دخلوا في المشروع السياسي، ولكنهم بشكل آخر انساقوا من حيث التطبيق والأداء مع توجهات الإسلام السياسي".
ويلفت إلى نقطة أخرى وهي "حضور البعد الأيديولوجي بسحب الصراعات والتوازنات الإقليمية والدولية إلى ساحة هي بالأصل منهكة وأصابها الأعياء، مما أدى إلى هذا الاغتراب بين المنتظم السياسي والشعب".
ديمقراطية هجينة
بدوره يشير الأكاديمي والمحلل السياسي علي الكاتب إلى أن "عملية الانتقال الديمقراطي في العراق باتت قريبة من الفشل، بعدما أصيبت أغلب مبانيها المفاهيمية والميدانية على واقع التطبيق بالخلل والعلل".
ويوضح الكاتب لـ"العين الإخبارية" أن "غياب التوافق والاتفاق على شكل الدولة ما بعد نظام صدام حسين وخلاف التوظيف لمسار الانتقال الديمقراطي ما بين الولايات المتحدة والقوى السياسية في العراق دفع إلى ولادة مؤسسة هجينة تتقاذفها المصالح الحزبية والعقد التاريخية التي أرست ثقافة الطائفة والعرق والمذهب تأصيلها كنظام حكم وتجذيرها عبر الدستور والقوانين والتشريعات".
ويعطف بالقول "المشهد السياسي العراقي اليوم في ظل العقد والأزمات الدائرة بشأن تشكيل الحكومة المقبلة طبقاً لنتائج انتخابات أكتوبر انعكاس واضح لطبيعة ذلك الاجترار في مفاهيم السلطة وماهية التعامل مع صناديق الاقتراع".
ويختتم بالقول: "العراق بات اليوم بحاجة ماسة إلى عملية حرث سياسي بالكامل حتى يستطيع توجيه مدخلات عام 2003، بالمسار الصحيح وبخلاف ذلك لن تكون هناك دولة أو مؤسسة ناضجة أو قوة وطنية ضاربة".
aXA6IDE4LjIyNy4wLjU3IA== جزيرة ام اند امز